السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
موضوع قرأته وأعجبني وحبيت اشارككم فيهـ
***
حلاوة الابتلاء
هل أنت مُبتلى ؟
من منا لم تدر عليه نوائب الدهر ؟
من منا لم يذق آلام الحسرة أو الفراق ؟
من منا لم يُصب بمرض أو أفقدته مصيبة الموت عزيزا لديه ؟
من منا لم يكن مُبتلىً في يوم من الأيام ؟
كُلنــا هذا الإنسان ....
نعم أحبتي في الله ... كُلنا مُبتلون في حياتنا الدنيا ، ما بين مريض ومُصاب وحزين ، حتى هؤلاء الذين نظن لوهلة أنهم قد حازوا مُتع الدنيا ونعيمها فإنهم في كثير من الأحيان يكونون أشد الناس ابتلاءً وحُزنا ، فليس كل مُنعمٍ بسعيد وليس كل فقيرٍ بتعيس .
وليتضح الكلام أكثر فعلينا بداية أن نوضح معنى الابتلاء .
ما هو الابتلاء ؟
الابتلاء هو الاختبار والمحنة ، والشائع بيننا أن الابتلاء يكون دائما في صورة شر أو مصيبة تُصيب شخصا ما ، ولكن هذا نصف أنواع الابتلاء فقط !!!
فهناك النصف الآخر وهو الابتلاء بالنعم ... نعم أحبتي النعمة في أحيانٍ كثيرة قد تكون ابتلاءً من الله ولكننا بتفكيرنا القاصر وأفقنا الضيق لا نُدرك هذا إلا متأخراً ، فقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم : " فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ " ... سورة الفجر (16،15) .
و قال أيضا : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ " ... سورة التغابن (14) .
أرأيتم أحبتي أن إكرام الله لنا وإسباغه نعمه علينا قد يكون ابتلاءً منه لنا كما هو الحال إذا ما قلّ رزقنا وضاقت بنا الأرض بما رحبت ؟!!!
قد يتبادر إلى أذهانكم الآن أن الابتلاء كله شر (خيره وشره) ، ولكن الله ليس بظلام للعبيد ، والأمر الذي يتراءى لنا خيرا دنيويا قد يكون شرا لنا ، والذي نراه شرا مُحدقا قد يأتي من ورائه الخير الكثير ، فكيف نعرف أن ما بين أيدينا من ابتلاء هو خير أم شر ؟!!!
وهذه الإجابة متروكة لكم أحبتي ، فأنتم وحدكم من تستطيعون توصيف علاقتكم بالله لتُحددوا ما إذا كان الابتلاء الواقع عليكم هو خير من الله أو عقاب لكم ، وصدقوني ... في كلٍ خير .
إذن فلنُحسن الظن بالله تعالى ولنسبح معا في بحور رحمته لنتذوق معا حلاوة الابتلاء .
قد يبدو صدى الكلمة غريباً للوهلة الأولى فكيف يكون للابتلاء حلاوة ؟!!!
بمقاييس الدنيا الابتلاء لا يأتي إلا بكل حزن وحسرة ، ولكن هيا بنا أحبتي نترفع عن دُنيانا ونرتقي بأرواحنا لنرى الوجه الآخر للابتلاء ، الوجه الذي لم يره إلا من رحم ربي من البشر الذين أدركوا المعنى الحقيقي له ، الوجه الذي جعل من أسس اليقين والإيمان في عقيدتنا أن نقول دائما : الحمد لله على كل حال ، الوجه الذي يجعلنا نبتسم في أوقات شدتنا لنُشهد الله تعالى ثم خلقه أجميعن – إنساً وجناً وملائكةً – أننا راضون بقَدَرِ الله وقضائه فينا ، الوجه الآخر للابتلاء والذي رآه الأنبياء والرسل من قبل فبذلوا كل رخيص وغالٍ في سبيل الدعوة إلى الله .
آدم ابتلاه الله في ابنيه فقتل أحدهما الآخر
ورسول الله نوح ابتلاه الله في أهل قريته يدعوهم ألف عام ولا يستجيبون له وكان ابنه من المُغرقين
وخليل الرحمن إبراهيم ابتلاه الله في نفسه عندما ألقاه النمروذ في النار الحارقة ، ثم ابتلاه في ابنه إسماعيل عندما أمره بذبحه
ونبي الله يعقوب ابتلاه الله بفقدان أحب أبنائه إليه وبكى حتى ابيضت عيناه
أما ابنه يوسف فقد كانت حياته منذ الصغر سلسلة من الابتلاءات والمحن لا يعلمها إلا الله
وما نحن بغافلين عن رسل الله موسى وعيسى ونبينا الحبيب محمد وما مروا به في حياتهم من ابتلاءات
فما كان السبب الرئيسي وراء ابتسامهم في وجه الشدائد ؟
ولماذا تحملوا ما لا يُطيقه أي إنسان آخر مع التأكيد على أنهم بشر مثلنا ؟
ما الذي رأوه بأعينهم الربانية فأصبحوا غير مُبالين بالدنيا وما فيها ؟
لقد رأوا الوجه الآخر للابتلاء ... لقد ذاقوا بقلوبهم حلاوة الابتلاء فصغر في أعينهم كل ألم وحزن ومُصاب ، وعلى نهجهم سار أتباعهم والصحابة والتابعين ، حتى ابتعدنا نحن وحاد بنا الطريق إلى حيث عميت أبصارنا وقلوبنا عن رؤية الخير ، وصدق الله حين قال : " فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ " ... سورة الحج (46)
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم آمــين,,