قائد فتح العراق
الصحابي الجليل المثنى بن حارثة الشيباني البكري
اسلم في السنة الــتاسعة من الهجرة .
وكان المثنى أحد رجال بني شيبان الذين تفاوض معهم النبي عندما كان يمرعلى قبائل العرب ويعرض عليهم الدعوه والنصره .
من أشراف قبيلته بكر وشيخ حربها ، تميز برجاحة عقله وحسن إدارته المتميزة في المعارك.
وهو مقاتل شجاع لا يرهب المغامرة صاحب فكر ورؤية قيادية فجميع معاركه التي قادها كلها تؤكد نضج فكره وحسن قيادته .
وهو اول من اخذ على عاتقه عملياً تحرير العراق من الفارسية واعادته إلى العروبة .
كان يقيم مع قومه في شمال شرق الجزيرة العربية
فقدم إلى الخليفة ابا بكر الصديق يوم استخلف وقال له :
" يا خليفة رسول الله ، ان في قومي اسلاماً كثيراً ، فأمرني عليهم حتى أجاهد اعداء الله فارس ، وأكفيك ناحيتي "
وكانت منازل بني شيبان قومه ملاصقة لأرض العراق حيث يرتع الفرس ، فعقد له ابو بكر لواءً على قومه .
- ولبني شيبان تاريخ نضال طويل ضد الفرس ، فقد كانوا مع بني بكر بن وائل في معركة ذي قار 605 م
حين انتصروا مجتمعين ضد امبراطورية الفرس .
ولما رجع المثنى إلى قومه ، جمع منه الفرسان والمقاتلين الأشداء وراح يشن حرب عصابات على الفرس
في حوض الفرات الأدنى ، مصيباً منهم مغانم وموقعاً فيه قتلى كثيرين .
- وفي السنة الثانية عشرة من الهجرة اعتمد الخليفة ابو بكر خطة للفتح العراق
فوجه خالد بن الوليد في عشرة آلاف مقاتل إلى جنوب العراق ( الابلة )
ثم طلب منه التوغل بعد ذلك باتجاه الحيرة ، على أن يواصل المثنى غاراته على الحيرة ليضعضع
القوات الفارسية ، ثم يلتحق بجيش خالد بن الوليد ، وقام المثنى بواجبه على أكمل وجه
وكان ذراع خالد بن الوليد اليمنى في المعارك الكبرى داخل العراق .
وحين اشتبك جيش خالد مع الجيش الفارسي بقيادة هرمز في الكاظمة
واستطاع جيش الاسلام تسجيل أول وأكبر انتصار على الامبراطورية الفارسية
وبعد قتل هرمز وفرار من بقي من المهزومين الفرس ، أراد خالد أن يطاردهم
ليطهر منطقة الابلة منهم ، فكلف بذلك المثنى ، فسار وحاصرهم وأسر من أسر
وطهر المنطقة من الأعداء .
ثم شارك مع خالد في معركة المذار التي قتل فيها قائد الجيش الفارسي قارن
وفر منها من تبقى إلى السفن الراسية عند شاطيء النهر ، وبعدها قام خالد
والمثنى وصحبهما بتنظيم الجيوش وتوزيع الغنائم والتحضر للمعارك القادمة .
- اجتمع الجيش الفارسي في الشام لمنع خطة فتحها ، وكانت جيوش المسلمين
تزحف بإتجاهها بقيادة الامراء الأربعة : ابو عبيدة بن الجراح ، وعمرو بن العاص
ويزيد بن ابي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، ولما تجمعوا في اليرموك وكتبوا لأبي بكر
عن عدد الفرس ، أرسل إلى خالد ان وافي الجيوش العربية في الشام مع نصف جيشك
الفاتح ، فقام إلى الميسرة المظفرة واستخلف المثنى بن حارثة الشيباني مكانه .
- تجمع الفرس في عشرة آلاف مقاتل ونووا الهجوم علهم يسترجعون العراق .
فتقابل الجيشان في بابل ، وكانت معركة شرسة استطاع المسلمون فيها كسر شوكة الفرس وهزمهم والتنكيل بهم
وقد لحق المثنى بفلول الفرس مطارداً ، ولما تيقن ان امكاناته الضعيفة لن تسمح له بملاحقتهم حتى عاصمتهم ، لعددهم وتجهيزاتهم
انسحب بجيشة غلى غرب الفرات ، ولكنه رأى أن الوقت مناسب للإيقاع بالفرس ، فهم على خلاف حول العرش ومنشغلون بجيشهم المهزوم
فقرر الذهاب سريعاً إلى المدينة واقناع الخليفة بضرورة اشراك المرتدين إلى الإسلام في الجهاد لأن ابي بكر قد اتخذ قرار حرمان من ارتد ثم عاد إلى الإسلام في الجهاد
ترفعاً عن الإستعانه بمن كفر بالله على جهاد اعدائه .
وصل المثنى المدينة وكان ابو بكر على فراش الموت ، فحضر دفنه ، واجتمع في يوم خلافة عمر بن الخطاب في مسجد النبي
وخطب المثنى بعد الخليفة في المسلمين وقال : " يا ايها الناس ، لا يعظمن عليكم هذا الوجه ( الجبهه العراقية )، فإنا قد تبحبحنا ( تمكنا ) ريف فارس
وغلبناهم على خير شقي السواد ( جانب العراق الغربي ) وشاطرناهم ونلنا منهم واجترأ من قبلنا عليهم ولنا إن شاء الله ما بعدها " .
وطلب الخليفة عمر بن الخطاب بعدها السير في الجهاد مع المثنى ، وعقدت القيادة لأبي عبيدة الثقفي من بينهم ، فسار المثنى معه مقاتلاُ متواضعاً
حتى العراق .
- حين سمع رستم قائد الجيش الفارسي بتجمع المسلمين هذا في العراق ، أرسل لقتالهم جيشاً من ثمانين الف رجل يتقدمهم عشرون فيلاً
وعليهم " بهمن جاذويه " ومعه الراية المقدسة ، واتجهوا الى الحيرة ، وعند شاطيء الفرات عند جسر بين الضفتين وقعت المعركة
بين الجيش الفارسي والجيش الإسلامي .
وطلب القائد الفارسي من ابي عبيدة الثقفي قبيل المعركة أن يختار المكان المناسب ‘ فإما على الضفه الشرقية فيفسح هو للجيش العربي بالتقدم
واما على الضفة الغربية فيسمح للفرس بالعبور اليها .
وقر رأي ابي عبيدة على العبور إلى الضفة الشرقية رغم معارضة المثنى لرأي ابي عبيدة .
- معركة الجسر نشبت في الصباح من العام الثالث عشر للهجرة واستمرت سجالاً حتى العصر ، وكان ابو عبيدة الثقفي يقاتل دفاعاً
عن شرف الراية وهو يصرخ " لن يكونوا اجرأ على الموت منا " ، وقبيل مغيب الشمس هجم فيل على أبي عبيدة فأوقعه عن فرسه ووطأه
برجله ، وتناوب ابطال العرب على حمل الراية وهم يتساقطون على التوالي ، مما أضعف ثقة الجيش العربي بقوته ، فبدأ فرسانه ينهزمون ويعبرون الجسر.
وهنا انبرى أحد القادة المسلمين واسرع برجاله إلى الجسر يريد قطعه صارخاً في المحاربين : " موتوا على ما مات عليه امراؤكم أو تظفروا " .
الا أن المثنى وقد شاهد جيشه يتراجع ، وراقب عمل القائد المسلم ، و سارع اليه والدم يقطر من ثيابه وقلبه يتميز غيضاً
واصدر أمره إلى عروه بن مسعود : " ان أنطلق إلى الجسر فقف عليه وحل بين العجم وبينه" ، ووثب مع اعوانه إلى الجسر
ونصبوه من جديد مفسحين للجيش العربي بالتراجع ، وفي خلال وقفة المثنى بصمود عجيب امام جحافل الفرس ، جاءته
طعنة رمح في جنبه فجرح جرحاً مميتاً، لكنه استمر واقفاً يناضل حتى عبر جيشه إلى الضفة المقابلة ، حينذاك عبر بنفسه أخيراً.
وكانت خسارة العرب في هذه المعركة بأربعة آلاف شهيد قتيلاً ، والفين غرقاً في النهر اثناء الإنسحاب
ولولا خطة المثنى لقضي على الجيش المسلم كله .
- استنجد المثنى بالقبائل العربية لنصرته ، ولأخذ ثارات ابي عبيدة الثقفي والشهداء في معركة الجسر ، وجمع جيشه من جديد
في البويب على ضفة الفرات الغربية ، وطلب من القائد الفارسي " مهران " ان تكون المعركة في هذه البقعة بعد أن وصله أمر
الخليفة بأن لا يعبر نهراً أو جسراً .
وزع المثنى جيشه محتفضاً بقيادة القلب، وكان ذلك في شهر رمضان فطلب من رجاله ان يفطروا ، وتقدم الفرس امامهم
في خطوط ثلاثة متوازية ، أولها المشاه وورائهم الفيله ، وتصادم الجيشان وكان القتال عنيفاً ، في الأطراف وفي القلب معاً
واذ بصراخ فتى : انا الغلام التغلبي انا قتلت المزربان ( قائد الفرس ) ، فأسرع المثنى إلى الجسر فقطعه ليحبس الجيش الفارسي
بين النهر وبين جيش المسلمين ، فانهزم جنود الفرس وتبعثروا ، فطوردوا يوماً وليلة بعد المعركة ... وكانت خسائرهم مائة الف قتيل .
- قل جيش المثنى بعد رحيل خالد بن الوليد وخسارته في معركة الجسر ، فكتب إلى الخليفة يستشيره ، وانسحب إلى غرب الفرات
فجاءه كتاب الخليفة موافقاً ما قام به . وأنشأ المثنى خطاً دفاعياً راقياً يؤكد نضج فكره وحسن قيادته.
وارسل الخليفة جيشاً جرار بقيادة سعد بن أبي وقاص بعد أن كان يعتزم بنفسه قيادة الجيش ، وكتب إلى المثنى يأمره أن يجمع الرجال
لمعركة كبرى ، وقد كانت معركة القادسية معركة مصيرية بين امتين ، هزمت فيها فارس وسقطت بعدها عاصمتهم المدائن
لكن المثنى لم يسعه المشاركة فيها ، فقد سارع غليه أجله بعد اصابته البالغة في معركة الجسر ، ومات ودفن في " شراف"
حسب وصيته بعد أن كتب إلى سعد : " إذا قدم سعد فليقاتل على حدود ارض العجم على ادنى حجر في أرض العرب
ولا يقاتلهم في عقر دارهم ، فإن يظهر الله المسلمين وينصرهم فلهم ماورائهم ، وإن كانت الأخرى ، رجعوا إلى فئة .. إلى أن يعيد
الله الكرة عليهم " .