المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
محاور مشارك |
الرتبة |
|
البيانات |
التسجيل: |
Mar 2011 |
العضوية: |
1593 |
المشاركات: |
2,842 [+] |
الجنس: |
ذكر |
المذهب: |
الإسلام |
بمعدل : |
0.57 يوميا |
اخر زياره : |
[+] |
معدل التقييم: |
22 |
نقاط التقييم: |
345 |
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
بيت الحـــوار الحــــــــّر
حميد بن خبيش | 15/5/1434 هـ
يبدو أن الجيل الجديد من ألعاب الفيديو و الانترنيت قد جاوز حد التسلية , ليزج بناشئتنا في اغتراب ثلاثي الأبعاد , و ليضع الأسرة و المدرسة و الأجهزة الرقابية في كل بلد عربي أمام تحد ينبغي كسبه بأي حال من الأحوال . إذ حين تتحول التسلية الإلكترونية إلى نسق ثقافي مرعب يُجرد الطفل من انتمائه و يخلق هوة بينه و بين واقعه , ثم يُغريه بالذوبان في هوية الآخر ومعتقده وقيمه , فإن التصدي الحازم , وتقوية الجهاز المناعي للأمة ينبغي أن يحتل الصدارة في سلم الأولويات كضرورة حضارية .
إن جولة قصيرة في محلات الألعاب الإلكترونية , أو استعراضا سريعا لألعاب الانترنيت التي تحظى بإقبال كثيف من لدن الصغار , كفيلان بتشكيل قناعة مفادها أننا بتنا نواجه هيمنة ذكية ومدمرة . وأن الاستعلاء الثقافي المدعوم باستبداد تقني , هو ديدن الغرب في علاقته بالعالم الإسلامي , رغم كل دعاوى احترام الخصوصية و الحق في الاختلاف .
فالعوالم الافتراضية التي تؤسس لها الألعاب الالكترونية الحديثة , لا تروم فقط توفير المتعة و الفرجة و تنشيط قوى الخيال كما يُروج لها , بقدر ما تعمل على تغذية العقول بقيم و تمثلات تزعزع العقيدة , وتُشكك في الثوابت , و تعيد تشكيل السلوك بما يمنح للتغريب و التنميط مشروعية ووجاهة إزاء الوضع الذي تعيشه الأمة الإسلامية . بمعنى أن ينحاز الجيل القادم لمنظومة بديلة تُجرده من كل مظاهر الانتماء لدينه و تاريخه وهويته .
إذا كان التلفاز يمنح للطفل فرصة المشاهدة فقط , فإن ألعاب الفيديو الحديثة أتاحت له إمكانية التحكم فيما يُشاهده , و حرية التصرف و إدارة العالم الافتراضي الذي ينجذب إليه بقوة , و بالتالي فإن عدد ساعات لعبه يتضاعف كلما طُرحت في الأسواق نسخة مطورة من لعبته , أو حينما يُمكنه الموقع الالكتروني للعبة من الانتقال إلى طور جديد يتسع فيه هامش حريته وتصرفه , وتتزايد فيه المغريات وحظوظ النجاح ! فقد كشفت دراسة أجراها المعهد الوطني للإعلام و العائلة بجامعة "أيوا" الأمريكية أن معدل ساعات اللعب لدى الفتيان يصل إلى 16,4 ساعة في الأسبوع , و لدى الفتيات إلى 9,2 ساعات , و أن المعدل قد يصل إلى 24 ساعة , أي حوالي ثلاث ساعات و نصف يوميا , لدى الأطفال الذين بدت عليهم مؤشرات الإدمان المرضي للتسلية الإلكترونية . وفي المقابل يتخلى الطفل عن هواياته الأخرى , وعن متعة اللعب و التفاعل مع أترابه , و بالتالي عن المواقف التربوية و الاجتماعية التي تغذي قدرته على الحوار و حل المشكلات .
فأسلوب اللعب المنفرد الذي يعتمده مصممو هذه الألعاب يُعزز من انطوائية الطفل و انكفائه على نفسه , خصوصا في مرحلة البلوغ التي من أهم سماتها : ميله للانعزال , و انسحابه من جماعة الأصدقاء (1). زد على ذلك ما تضج به البيئة العربية من أساليب التربية الخاطئة , و مظاهر العجز عن التعاطي الإيجابي مع التغيرات المصاحبة لدورة النمو النفسي !
إن اعتماد ألعاب الفيديو على الجاذبية الآسرة للصورة ,و سعيها للالتصاق بالواقع , يُمَكنها أن تشغل حيزا مهما من نشاط الطفل الخيالي , و بالتالي العبث بتمثلاته و أفكاره ومواقفه . ذلك أن الاستغراق الدائم في اللعب يُوهمه بانتفاء الحيز الفاصل بين واقعه العملي و الافتراضي . يقول الدكتور فرانك كيلش " إن الهدف الرئيسي من كل لعبة هو أن يُدخل في روع المشاهد نوعا من المصداقية ولو إلى حين .. وعندما تأسر اللعبة لب اللاعب للدرجة التي قد ينسى نفسه تماما في خضم أحداثها , فإن جزءا من تجربة اللعبة نفسها , وهو الشعور بعدم المصداقية , يكون في تلك اللحظة مرجئا . وهكذا تجر اللعبة لاعبها إلى النقطة التي تصبح فيها حقيقة " (2)
وحين يلتفت الطفل إلى واقعه بحثا عما يُطابق ما انغرس في مخيلته من رسائل و تمثلات جراء اللعب , لا يجد شيئا من ذلك , فيؤثر الانسحاب من واقعه , و تغليف ذاته بأحاسيس الغربة و الانسلاخ . بل وصل الأمر اليوم إلى التعبير عن اللانتماء للمجتمع و اللغة و منظومة القيم الحارسة للهوية و الدين !
عندما نتفحص الرسائل المبثوثة عبر الآلاف من هذه الألعاب الحديثة, نخلص إلى أننا أمام قصف ممنهج لا يستهدف الأبنية أو المنشآت , بل يروم , وبكل قسوة , تحطيم البراءة الطفولية , و حرمان الأمة من خزان وقودها الذي تراهن عليه لاستكمال بنائها الحضاري . لذا فالوقائية , باعتبارها مبدأ أصيلا في المنهج التربوي الإسلامي , تُلزم القائمين على الشأن الأسري و التربوي بالمبادرة للحد من الآثار الضارة للتسلية الإلكترونية . لا من خلال تكثيف الرقابة الأسرية و الرسمية فقط , بل كذلك بتوفير البدائل , وتوجيه اهتمام الأطفال للتسلية التي تجمع بين المتعة و الجدة و الإفادة .
.......
(1) د. شحاتة محروس طه : أبناؤنا في مرحلة البلوغ وما بعدها . وحدة ثقافة الطفل بشركة سفير . د.ت . ص 12 .
(2) د. فرانك كيلش : ثورة الأنفوميديا .المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب . الكويت 2000 . ص
|