بـاب السيـرة النبـويـة يختص بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومأثره والدفاع عنه |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
23-05-12, 05:20 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
بيتٌ ... وبيت!!
محمد حسن يوسف نتكلم اليوم عن نموذجين لبيتين مختلفين تمام الاختلاف في التعامل مع رسول الله : البيت الأول: بيت أبو لهب عم الرسول : وهو بيت آذى رسول الله ، فأكثر من إيذائه. وأبو لهب هذا هو أحد أعمام النبي . ونتساءل لماذا خُص أبو لهب من بين سائر الكفار من صناديد قريش بالتوعد بالعقوبة في القرآن الكريم؟ والسبب في ذلك هو شدة معاداته له ، فقد كان كثير الأذية والبغض له، والازدراء به والتنقص له ولدينه. فمع بداية مرحلة الدعوة الجهرية، دعا رسول الله عشيرته بني هاشم بعد نزول آية ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ اْلأَقْرَبِينَ ﴾ ] الشعراء: 214 [، فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلاً. فلما أراد أن يتكلم رسول الله ، بادره أبو لهب وقال: هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحدًا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به. فسكت رسول الله ، ولم يتكلم في ذلك المجلس. ثم دعاهم ثانية وقال: " الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ". ثم قال: " إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا ". فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقًا لحديثك. وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أُمرت به. فوالله، لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب. فقال أبو لهب: هذه والله السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم. فقال أبو طالب: والله لنمنعه ما بقينا.[1] ثم بعد أن تأكد النبي من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلّغ عن ربه، صعد النبي ذات يوم على الصفا، فعلا أعلاها حجرًا، ثم جعل ينادى بطون قريش، ويدعوهم قبيلة قبيلة. فلما سمعوا قالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد. فأسرع الناس إليه، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش. فلما اجتمعوا أخذ يدعوهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب الله ، فخص وعم. ولما تم هذا الإنذار انفض الناس وتفرقوا، ولا يُذكر عنهم أي ردة فعل، سوى أن أبا لهب واجه النبي بالسوء، وقال: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت فيه: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ ] المسد: 1 [.[2] أما رسول الله فخرج يتبع الناس في منازلهم وفي عُكَاظ ومَجَنَّة وذى المَجَاز، يدعوهم إلى الله ، وأبو لهب وراءه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب. وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب بأمر رسول الله وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.[3] وقد رُوي ما يفيد أن أبا لهب كان لا يقتصر على التكذيب، بل كان يضربه بالحجر حتى يدمى عقباه.[4] ولما بدأت قريش في التنكيل بالمسلمين، لم تستطع في بادئ الأمر الاجتراء على رسول الله . ولكن مع استمراره في دعوته، بدأت في مد يد الاعتداء إلى رسول الله ، مع ما كانت تأتيه من السخرية والاستهزاء والتشويه والتلبيس والتشويش وغير ذلك. وكان من الطبيعي أن يكون أبو لهب في مقدمتهم وعلى رأسهم، فإنه كان أحد رؤوس بني هاشم، فلم يكن يخشى ما يخشاه الآخرون، وكان عدوًا لدودًا للإسلام وأهله، وقد وقف موقف العداء من رسول الله منذ اليوم الأول، واعتدى عليه قبل أن تفكر فيه قريش.[5] وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتي رسول الله رقية وأم كلثوم قبل البعثة، فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما. ولما مات عبد الله - الابن الثاني لرسول الله - استبشر أبو لهب، وذهب إلى المشركين يبشرهم بأن محمدًا صار أبتر.[6] كان أبو لهب يفعل كل ذلك وهو عم رسول الله وجاره، فكان بيته ملصقا ببيته. كما كان غيره من جيران رسول الله يؤذونه وهو في بيته. قال ابن إسحاق: كان النفر الذين يؤذون رسول الله في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدى بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلى - وكانوا جيرانه - لم يُسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص. فكان أحدهم يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلى، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله حجرًا ليستتر به منهم إذا . وكان رسول الله إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: " يا بني عبد مناف، أي جوار هذا "؟ ثم يلقيه في الطريق.[7] ولما أبرمت قريش قرارها بإهدار دم النبي ، كان أبو لهب من بين أكابر مجرمي قريش الذين قضوا نهارهم في الإعداد سرا لتنفيذ الخطة المرسومة، بل وكان من النفر الذين اختيروا لتنفيذ تلك المؤامرة اللئيمة. فماذا كانت العاقبة؟! رماه الله بالعدسة[8] فقتلته!! فلقد تركه ابناه بعد موته ثلاثا، ما دفناه حتى انتن. وكانت قريش تتقي هذه العدسة، كما تتقي الطاعون. حتى قال لهم رجل من قريش: ويحكما! ألا تستحيان أن أباكما قد انتن في بيته لا تدفنانه؟ فقالا: إنما نخشى عدوى هذه القرحة!! فقال: انطلقا، فانا أعينكما عليه! فوالله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يدنون منه، ثم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار، ثم رجموا عليه بالحجارة.[9] وكانت امرأة أبي لهب - أم جميل أروى بنت حرب بن أمية، أخت أبي سفيان، والتي سماها المسلمون أم قبيح من كثرة ما تؤذي به رسول الله - لا تقل عن زوجها في عداوة النبي . فقد كانت تحمل الشوك، وتضعه في طريق النبي ، وعلى بابه ليلاً. وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء والدس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء على النبي ، ولذلك وصفها القرآن بحمالة الحطب. ولما سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق وفي يدها فِهْرٌ[10] من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله ، فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما والله إني لشاعرة. ثم قالت: مُذَمَّما عصينا * وأمره أبينا * ودينه قَلَيْنا ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله ، أما تراها رأتك؟ فقال: " ما رأتني، لقد أخذ الله ببصرها عني ". وروى أبو بكر البزار هذه القصة، وفيها: أنها لما وقفت على أبي بكر قالت: أبا بكر! هجانا صاحبك. فقال أبو بكر: لا ورب هذه البنية، ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمُصدَّق.[11] فماذا كانت نهايتها؟ كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة[12] من الحسك[13] فتطرحها في طريق المسلمين. فبينما هي حاملة ذات يوم حُزمة، إذ أَعْيَت، فقعدت على حجر لتستريح. فجُذبت من خلفها، فهلكت. خنقها الله بحبلها!! وقيل: لما كانت تعيّر النبي بالفقر وهي تحتطب في حبل تجعله في جيدها من ليف, فخنقها الله جل وعز به فأهلكها، وهو في الآخرة حبل من نار.[14] ومما تروي لنا كتب السنة والسيرة: أن عتيبة بن أبي لهب أتى يومًا رسول الله فقال: أنا أكفر بـ ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ ] النجم: 1 [، وبالذي ﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴾ ] النجم: 8 [ . ثم تسلط عليه بالأذى، وشق قميصه، وتفل في وجهه ، إلا أن البزاق لم يقع عليه. وحينئذ دعا عليه النبي ، وقال: " اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك ". فماذا كانت عاقبة ذلك؟ لقد استجيب دعاؤه !! فقد خرج عتيبة إثر ذلك في نفر من قريش، فلما نزلوا بالزرقاء من الشام طاف بهم الأسد تلك الليلة، فجعل عتيبة يقول: يا ويل أخي هو والله آكلي، كما دعا محمد علىّ، قتلني وهو بمكة، وأنا بالشام. ثم جعلوه بينهم، وناموا من حوله، ولكن جاء الأسد وتخطاهم إليه، فضغم[15] رأسه.[16] وانظر رحمك الله ... لما تفل عتيبة في وجه رسول الله ، أتى إليه الأسد، فشم وجهه، ثم ضغم رأسه!! لم يأكله من يديه أو رجليه، وإنما رأسا برأس!!![17] والبيت الثاني: بيت أبو بكر الصديق: لما بدأت دعوة النبي إلى الإسلام، كان من الطبيعي أن يعرض الرسول الإسلام أولاً على ألصق الناس به من أهل بيته، وأصدقائه، فدعاهم إلى الإسلام، ودعا إليه كل من توسم فيه الخير ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بحب الحق والخير، ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح. وكان من أوائل من دُعوا إلى الإسلام، صديقه الحميم أبو بكر الصديق، الذي أسلم في أول يوم للدعوة.[18] ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى الإسلام، وكان رجلاً مألفاً محبباً سهلاً ذا خلق ومعروف. وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته. فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم بدعوته عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله.[19] واشترى أبو بكر الكثير من الإماء والعبيد وعنهن أجمعين، فأعتقهم جميعًا. وقد عاتبه في ذلك أبوه أبو قحافة وقال: أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أعتقت رجالاً جلدًا لمنعوك. قال: إني أريد وجه الله . فأنزل الله قرآنًا مدح فيه أبا بكر، وذم أعداءه. قال تعالى: ﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ اْلأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ ] الليل: 14 - 16 [ ، وهو أمية بن خلف، ومن كان على شاكلته، ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا اْلأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا ِلأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إَِّلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ اْلأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ ] الليل: 17 - 21 [ ، وهـو أبو بكر الصديق .[20] وأُوذي أبو بكر الصديق أيضًا كثيرا من كفار قريش بسبب إسلامه، وبسبب منافحته عن رسول الله . ومن أشد المواقف التي صنعها المشركون بالنبي ، كان بجانبه صديقه الحميم أبو بكر الصديق . فبينما كان النبي يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا. فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي ، وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟[21] ومن أكثر مواقف الصديق عظمة مع النبي ، موقفه معه هو وأسرته أثناء الهجرة.[22] فبعد أن أذن الله تعالى إلى نبيه بالهجرة، ذهب النبي في الهاجرة - حين يستريح الناس في بيوتهم - إلى أبي بكر ليبرم معه مراحل الهجرة. قالت عائشة ا: بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله متقنعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت: فجاء رسول الله ، فاستأذن، فأذن له فدخل. فقال النبي لأبي بكر: " أخرج مَنْ عندك ". فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله. قال: " فإني قد أذن لي في الخروج ". فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟ قال رسول الله : " نعم ". ثم أبرم معه خطة الهجرة، ورجع إلى بيته ينتظر مجيء الليل. وقد استمر في أعماله اليومية حسب المعتاد حتى لم يشعر أحد بأنه يستعد للهجرة، أو لأي أمر آخر اتقاء مما قررته قريش. غادر رسول الله بيته، وأتى إلى دار رفيقه - وأمنّ الناس عليه في صحبته وماله - أبي بكر . ثم غادر منزل الأخير من باب خلفي، ليخرجا من مكة على عجل وقبل أن يطلع الفجر. ولما كان النبي يعلم أن قريشًا سَتَجِدُّ في الطلب، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالاً، فسلك الطريق الذي يضاده تمامًا، وهو الطريق الواقع جنوب مكة، والمتجه نحو اليمن. سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثَوْر، وهو جبل شامخ، وَعِر الطريق، صعب المرتقى، ذو أحجار كثيرة، فحفيت قدما رسول الله ، وقيل: بل كان يمشى في الطريق على أطراف قدميه كي يخفي أثره فحفيت قدماه. وأيا ما كان فقد حمله أبو بكر حين بلغ إلى الجبل، وطفق يشتد به حتى انتهي به إلى غار في قمة الجبل، عُرف في التاريخ بغار ثور. ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك! فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدها به، وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله : ادخل. فدخل رسول الله ، ووضع رأسه في حجره ونام. فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله ، فسقطت دموعه على وجه رسول الله ، فقال: " ما لك يا أبا بكر "؟ قال: لُدغت، فداك أبي وأمي. فتفل رسول الله ، فذهب ما يجده. وكَمُنَا في الغار ثلاث ليال. وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما. قالت عائشة: وهو غلام شاب ثَقِف لَقِن، فيُدْلِج من عندهما بسَحَرٍ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرًا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام. أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد لديها إفلات رسول الله صباح ليلة تنفيذ المؤامرة. فأول ما فعلوا بهذا الصدد أنهم ضربوا عليًا، وسحبوه إلى الكعبة، وحبسوه ساعة، علهم يظفرون بخبرهما. ولما لم يحصلوا من عليّ على جدوى جاءوا إلى بيت أبي بكر وقرعوا بابه، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر، فقالوا لها: أين أبوك؟ قالت: لا أدرى والله أين أبي؟ فـرفع أبو جهل يـده - وكان فاحشًا خبيثًا - فلطم خـدها لطمـة طـرح منها قرطها. وقررت قريش في جلسة طارئة مستعجلة استخدام جميع الوسائل التي يمكن بها القبض على الرجلين، كما قررت إعطاء مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما إلى قريش حيين أو ميتين، كائنًا من كان. وقد وصل المطاردون إلى باب الغار، ولكن الله غالب على أمره. روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال: كنت مع النبي في الغار، فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم. فقلت: يا نبي الله! لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا. قال: " اسكت يا أبا بكر، اثنان، الله ثالثهما "، وفي لفظ: " ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ". وقد كانت معجزة أكرم الله بها نبيه ، فقد رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم إلا خطوات معدودة. وحين خمدت نار الطلب، وتوقفت أعمال دوريات التفتيش، وهدأت ثائرات قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة ثلاثة أيام بدون جدوى، تهيأ رسول الله وصاحبه للخروج إلى المدينة. وتستمر أيادي الخير الممتدة من أبي بكر، وتستمر مواقفه العظيمة في خدمة الإسلام ورسول الإسلام والمسلمين. وقد جاء في الحديث الذي رواه أَبو هُرَيْرَةَ عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: " مَا ِلأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إَِّلا وَقَدْ كَافَيْنَاهُ، مَا خَلاَ أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِيهِ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ. وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً َلاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، أَلاَ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ ".[23] هذه بعض من مواقف أبي بكر الصديق مع النبي . فماذا كانت مواقف أهل بيته من النبي صلى اله عليه وسلم ودعوته؟ قد علمنا فيما مضى الدور العظيم الذي لعبه عبد الله بن أبي بكر في الهجرة، فقد كان يبقى في النهار بين أهل مكة يسمع أخبارهم، ثم يتسلل في الليل لينقل هذه الأخبار لرسول الله وأبيه. ويبيت عندهما، ويخرج من السحر، فيصبح مع قريش.[24] وبنته أسماء بنت أبي بكر، ذات النطاقين، وهي أسن من عائشة. سماها رسول الله ذات النطاقين لأنها صنعت لرسول الله ولأبيها سفرة لما هاجرا، فلم تجد ما تشدها به، فشقت نطاقها وشدت به السفرة، فسماها النبي بذلك. وهي زوجة الزبير بن العوام، حواري رسول الله ، وابن عمته صفية بنت عبد المطلب. هاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير، فولدته بعد الهجرة، فكان أول مولود يُولد في الإسلام بعد الهجرة. بلغت مائة سنة، ولم يُنكر من عقلها شيء، ولم يسقط لها سن.[25] عاشت إلى أن ولي ابنها عبد الله الخلافة، ثم إلى أن قُتل، وماتت بعده بقليل.[26] وزوجه أم رومان، التي أسلمت مبكرا وبايعت[27]، ثم هاجرت إلى المدينة. وهي والدة عبد الرحمن وعائشة. توفيت في حياة النبي ، فنزل النبي قبرها، واستغفر لها وقال: " اللهم لم يخف عليك ما لقيت أم رومان فيك وفي رسولك ". وقيل: لما دُليت أم رومان في قبرها، قال رسول الله : " من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى هذه ".[28] وغني عن البيان بنته الأخرى، الصديقة بنت الصديق، أم المؤمنين، عائشة ا وأرضاها، زوج رسول الله في الدنيا وفي الآخرة. وهي أعلم النساء، كنّاها رسول الله أم عبد الله، وكان حبه لها مثالا للزوجية الصالحة. ***** وبعد ... فهذين نموذجين لبيتين تفاعلا مع النبي صلى الله عليه ودعوته. ويمثل هذان البيتان طرفي نقيض في التعامل مع النبي . وتتفاوت باقي البيوت في التعامل مع النبي ودعوته في نطاق هذا الإطار. فانظر أخي وحبيبي في الله، أي بيت تود أن يكون بيتك!! هل تريد أن يكون بيتك مثل بيت أبي لهب أو قريبا منه، أم تريد أن يكون بيتك دائرا في فلك بيت أبي بكر وأرضاه. وها هو موقف يحتاج منك لنصرة رسول الله ، إذ تنشر الصحف الدانمركية – ومن بعدها صحف أوربا كلها - الصور الكاريكاتيرية التي تنال منه ! فتخيل نفسك في موقف أبي بكر وبيته، وانظر ماذا كان سيفعل في مثل هذا الموقف، وحاول أن تقتدي به!! 5 من المحرم عام 1427 من الهجرة ( الموافق في تقويم النصارى 4 من فبراير عام 2006 ). ------------------------------------------ [1] الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، ص: 69-70. [2] الرحيق المختوم، ص: 70. [3] الرحيق المختوم، ص: 73. [4] الرحيق المختوم، ص: 77، نقلا عن سيرة ابن هشام. [5] الرحيق المختوم، ص: 76. [6] الرحيق المختوم، ص: 76. [7] الرحيق المختوم، ص: 77 – 78. [8] بثرة تخرج في البدن كالطاعون، وقلما يسلم صاحبها. [9] الجزاء من جنس العمل، د/ سيد حسين العفاني، الجزء الأول، ص: 255-256. [10] أي بمقدار ملء الكف. [11] الرحيق المختوم، ص: 77. [12] حزمة كبيرة. [13] نبات له ثمرة ذات شوك تعلق بأصواف الغنم، وهو السعدان. [14] الجزاء من جنس العمل، الجزء الأول، ص: 257، وكذا تفسير القرطبي، تفسير سورة المسد، الآية الخامسة. [15] عضه شديدا بملء الفم. [16] الرحيق المختوم، ص: 89، وكذلك: الجزاء من جنس العمل، الجزء الأول، ص: 254 – 255. [17] الجزاء من جنس العمل، الجزء الأول، ص: 255. [18] الرحيق المختوم، ص: 66، نقلا عن: رحمة للعالمين. [19] الرحيق المختوم، ص: 66 – 67. [20] وانظر بسط هذا الموضوع بالتفصيل في: الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق، د/ علي محمد محمد الصلابي، ص: 39 - 42. والرواية المذكورة ذكرها ابن جرير في تفسيره، انظر: الأساس في التفسير، سعيد حوى، المجلد الحادي عشر، ص: 6560. [21] الرحيق المختوم، ص: 90، نقلا عن رواية في صحيح البخاري. [22] انظر قصة الهجرة في: الرحيق المختوم، ص: 149 – 162. [23] رواه الترمذي في سننه (3661)، وقال عنه الألباني في صحيح سنن الترمذي: " ضعيف، دون قوله: " وما نفعني ... "، فصحيح ". وانظر جامع الأصول: المجلد الثامن (ح/ 6405). [24] الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، المجلد الرابع، ص: 24 (ت/ 4586). [25] الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق، ص: 23. [26] الإصابة في تمييز الصحابة، المجلد الثامن، ص: 12 - 14 (ت/ 10804). [27] الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق، ص: 22. [28] الإصابة في تمييز الصحابة، المجلد الثامن، ص: 391 – 392 (ت/ 12027).
fdjR >>> ,fdj!!
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
23-05-12, 06:35 PM | المشاركة رقم: 2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
جزاكِ الله خيراً ونفع بكِ
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
24-05-12, 02:26 AM | المشاركة رقم: 3 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
27-05-12, 04:23 PM | المشاركة رقم: 4 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
28-05-12, 11:27 PM | المشاركة رقم: 5 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
فعلا شتان بين الثرى والثريا |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
29-05-12, 12:52 PM | المشاركة رقم: 6 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
سلمت أيديكم عل هذه الردود الرآقية كـً رقيكم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
02-06-12, 12:56 AM | المشاركة رقم: 7 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
جزاك الله خير |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
05-06-12, 05:05 AM | المشاركة رقم: 8 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
جزاك الله كل خير وبارك الله فيك
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
07-06-12, 09:59 AM | المشاركة رقم: 9 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
بارك الله فيكِ ورضي عنكِ وأرضاكِ
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
07-06-12, 04:53 PM | المشاركة رقم: 10 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
25-04-13, 10:27 PM | المشاركة رقم: 11 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
لم يأكله من يديه أو رجليه، وإنما رأسا برأس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
28-08-13, 01:55 PM | المشاركة رقم: 12 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
29-08-13, 05:19 PM | المشاركة رقم: 13 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
سلمت أيديكم عل هذه الردود الرآقية كـً رقيكم بوركتم ووفقتم وسددتم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
01-09-13, 01:17 AM | المشاركة رقم: 14 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
دآنـة وصآل
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|