الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن من الاصطلاحات الحديثة وغير المنضبطة ولا الدقيقة وعليها يتم تصنيف الناس إلى صنفين مع الحكومة أو ضد الحكومة وبتعبير آخر حكومي ومعارض. والعاقل ينبغي له أن يتأمل صلاحية هذا الاصطلاح من عدمه قبل أن ينخدع به ويستعمله في تصنيف الناس ويرمي به الآخرين، وما يدريك لعله يصيب قوماً بجهالة فيصبح من النادمين.
فأقول وبالله أستعين:
أولاً: الحكومة ليست ديناً يتدين به الإنسان كما يقال: فلان مسلم أو يهودي أو نصراني أو بوذي أو هندوسي، والحكومة ليست مذهباً عقدياً كما يقال: سني أو شيعي أو معتزلي أو جهمي، والحكومة ليست مذهباً فقهياً كما يقال: حنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي، والحكومة ليست فكراً كما يقال: قومي أو بعثي أو اشتراكي أو رأسمالي؛ فالحكومة ليست شيئاً مما ذكرته حتى تصح النسبة إليها فيقال فلان حكومي أو ليس حكومي.
ثانياً: إذا كان الحكومي هو من يتولى منصباً كبيراً في الحكومة فنحن نرى كثيراً ممن لا منصب له يقال عنه حكومي، ونرى كثيراً ممن يصنَّف غير حكومي عنده منصب بل ربما مناصب!!.
ثالثاً: إذا كان الحكومي هو من كان مستفيداً من الحكومة أموالاً ومناقصات وتخصيصات ومن لم يظفر بشيء من ذلك ليس حكومياً، فإننا نرى من يستفيد كثيراً من الحكومة ولا يلقب حكومياً، ونرى عكس ذلك.
رابعاً: إذا كان الضابط على أساس تكفير الحكومة وعدم تكفيرها، فإننا نجد هناك من يكفِّر الحكومة وولاؤه لدول خارجية، ومع ذلك يُسمى حكومياً. وأيضا هناك من لا يكفِّر الحكومة وولاؤه لولي أمره، ويقال عنه غير حكومي.
خامساً: مِنْ الناس مَنْ لا يتدخل في الحكومة؛ فلا يسبُّها، ولا يحبها، ولا ينتقدها، ولا يؤيدها، فبماذا يُصنَّف؟ هل هذا حكومي أو ليس حكومياً؟
سادساً: ومِن الناس أيضاً من يعترض على الحكومة ويطالب بتحسين حاله ومعيشته، فبماذا يُصنَّف لمجرد رغبته بالزيادة؟! هل مثل هذا حكومي أو ليس حكومياً؟
سابعاً: الذي يدعو إلى المظاهرات والمسيرات والفوضى قد يُصنَّف عند بعض الناس غير حكومي مع أنه بعد مظاهراته ومسيراته نجده تقلد منصباً كبيراً في الحكومة، بينما من لم يدع للمظاهرات ولم يشارك في المسيرات إما لحرمتها أو لعدم قناعته بها، أو لخوفه على نفسه فهذا يسمى حكومي!!
ثامناً: قد يُسمي بعض الناس غيره حكومياً أو يُسمي غيره معارضاً لمجرد تشويه سمعته، فهل لمجرد تهمة استُعملت ضده نسميه حكوميا أو غير حكومي؟!
تاسعاً: بعض الناس مِن فَرْطِ جهله يظنُّ أنَّ كل من لا يسبَّ الحكومة فهو حكومي ومن يسبّ الحكومة ليس حكومياً، وقد خفي عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سُبابُ المسلمِ فُسوقٌ، وقتاله كُفْرٌ» [رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود، (48- 6044- 7076)، ومسلم في صحيحه (64)].
عاشراً: ومِن الناس مَنْ ظنَّ أنَّ كلَّ مَنْ انتقد المنكرات العامة كالربا والاختلاط والاختلاسات وعدم تحكيم شرع الله وغير ذلك أنه ضد الحكومة، ومن سكت عنها فهو حكومي، وهذا باطل؛ فإنكار المنكر واجبٌ ولكن بالطرق المشروعة وبالشروط المعتبرة.
الحادي عشر: وبعض الناس يظن أن من لم يخالف الحكومة أو دعا إلى عدم الفوضى، أو قال بتحريم الانقلابات والمظاهرات والمسيرات والفوضى فهو حكومي، ومن أيَّد ذلك فهو غير حكومي!! وهذا باطل؛ لأنَّ من قال بتحريم الانقلابات والمظاهرات ليس لقبوله بالحكومات ولا لرضاه بما عليه من الظلم والفساد، وأحياناً من الكفر والإلحاد كما هو الحال في بعض الدول، وإنما منع منها لما يترتب عليها من الكوارث والطامات والتي يشهد عليها الواقع الأليم في بلاد المسلمين.
الثاني عشر: ظنَّ بعض الناس أنَّ من قال بوجوب طاعة ولي الأمر بالمعروف فهو حكومي وهذا باطل؛ لأنَّ طاعة ولي الأمر بالمعروف هي مما أمر الله به ورسوله.
وما أجمل وأحكم قول شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى لما قال: (إن طاعة ولي الأمر إنما هي طاعة مخلوق للخالق وليست طاعة مخلوق لمخلوق) وصدق رحمه الله تعالى لأن الله تعالى قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء:٥٩].
والذي ينبغي للمسلم وهو يطيع ولي الأمر أن يحتسب الأجر والثواب في طاعته لولي أمره لأن الله تعالى أمر بذلك حتى لو كان ولولي الأمر ظالما أو فاسقاً أو مستأثراً بالمال أو الثروة، ونظير هذا طاعة الوالدين، فإن المسلم مأمور ببرِّ والده ولو كان فاسقاً أو ظالماً؛ لأن برَّ الوالدين إنما هو طاعة لله تعالى، فالله جل وعلا هو الذي أمر بذلك.
وخلاصة الكلام: أن الحكم على الشخص بعينه بأنه حكومي أو ليس حكومياً حكم غير دقيق، ولا سديد، ولا مفيد، فلا يُحْمد الإنسان ولا يُذمُّ لكونه حكومياً ولا لكونه ليس حكومياً، وإنما يُحمد ويُذمُّ بحسب طاعته لله ورسوله، ويجب أن تكون وجهة المسلم وقصده اتباع الحق فيدور معه حيث دار سواء أكان مع الحكومة أو ضدها، ولا يضره أن يلقبه الملقبون أو يلمزه اللامزون بأي لقب إذا كان قصده طاعة الله ورسوله. والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر