الشيخ سليمان الرحيلي
السّؤال:
يقول الأخ الكريم: إذا أصلحَ الرّجل الذي تزوّج بنيّة الطّلاق نيّتَهُ بعدَ الزّواج، فهل يصحّ زواجه ويكون العقدُ سليمًا؟
الجواب:
أوّلاً يا إخوة: أنا الذي أُفتِي بهِ أنّ النِّكاح بِنيّة الطّلاق لا يجُوز، فلو جاءني شخص وقال: يا شيخ أنا أُريد أن أتزوّج بنيّة الطلاّق؛ قلت له: ما يجوزُ هذا، أو سألني قال: ما حُكم النِّكاح بِنيّة الطّلاق؟ طبعًا لن يسألك إلاّ وهو يُريد أن يتزوّج في الغالِب؛ فإنِّي أقول له: إنّ هذا لا يجوز للوجُوه التي ذكرناها، وأنهاهُ عن هذا.
لكن لو جاء إنسان وقال: أنا تزوّجت بِنِيّة الطّلاق، والآن -وللهِ الحمد والمِنّة- أنا ناوِي الاستِمْرار، نقول: العقد صحيح، ويرتفع عنكَ الإثم -إن شاء الله- بهذا؛ لأنّ هذا نوعٌ من التّوبةِ، فقد أقْلَعْتَ عن الممنوع، فالعقدُ إذا وقعَ عقدٌ صحيحٌ ولا نُبطِلُهُ ولا نُفسِده ولكن نَّأمُرُ فاعِلَهُ بالتّوبة وأن يطرُدَ هذه النِيّة من نفسِهِ.
هُنَا فائدة أُنبِّه عليها في الحقيقَة لأنّ هُنَاك من النّاس من أصبحوا يتساهلونَ في هذا الباب! ويذهَبُونَ في الإجازات إلى بعض الدُّوَل ويتزوّجونَ مرّة ومرّتين وثلاثًا في الإجازة الواحدة! وهُم يظهَر عليهم سمات طُلاّب العلم! ويحتجُّونَ بأنّ من العلماء المُعاصرين الكبار من قال: يجوزُ النِّكاح بِنِيّة الطّلاق كالشّيخ ابن باز -رحمهُ اللهُ- والشّيخ ابن عُثيمين -رحمهُ اللهُ-.
ذكر الشّيخ ابن عُثيمين -رحمهُ اللهُ- أنّ الفَتْوَى بجواز النِّكاح بِنِيّة الطّلاق إنّما هِيَ لِمَن ابتُلِي وليسَت مُطْلَقَة، يعني: إنسان سافرَ للدِّراسَة في بلدٍ من البُلدانِ ما سافَرَ لِيتزوّج! ويَلْعَب بِبَناتِ النّاس! سافَرَ للدِّراسَة وخَشِيَ على نفسهِ وهُوَ لا يستطيع النِّكاح بِنيّة الاستمرار إمّا لظروف بلدِهِ أو ظروفهِ أو نحو ذلك؛ هُنَا يقول من يقول من أهلِ العلم من المُعاصرين أعني إنّ هذا جائز.
أمّا التّلاعُب الذي يفْعَلُهُ بعض النّاس وقد رأيتُ هذا بِعَيْنِي وسمعتُهُ بأذنِي أُنَاس يظهر عليهم سِمَات طلب العِلم يتزوّجون في الإجازَة لمُدّة شهر ثلاثا وأربعا! بِحُجّة أنّ أهل العِلم قالوا: إنّ النِّكاح بِنِيّة الطّلاق جائز، فإنِّي والله لا أظُنّ أنّ عالمًا تُعرض عليه هذه المسألة بهذه الصّورة فيقول بالجواز! لا أظُنّ أنّ عالمًا من العُلَماء المُعتبَرين تُعرض عليه هذه المسألة بهذه الصّورة ويقول بالجواز! فهذا لا شكَّ أنّه -يعني- تلاعُب، حتّى بلغنا أنّ الذينَ يُروِّجون للنِّساء يستقبلونهم في المطارات! فيعرضون عليهِم ما يُريدون! إن كان يُريد النِّكاح بِنِيّة الطّلاق فعندَهُم النِّكاح بِنِيّة الطّلاق، إن كان يُريد الأمور الأخرى فعندهم! والمرأة واحدة! لا شكَّ أنّ هذا من الباطِل، وأنّه من المُنكَر الذي يجبُ أن يُنكَر، يُنكَر على العامّة فكيف بمن يُنسَب إلى العلم؟! يُنسب إلى طُلاّب العلم! يُسيئون إلى طُلاّب العلم، يُسيئون إلى الاستقامة إساءة عظيمَة بالغَة ولا شكّ أنّ هذَا لا يجوز، وكما قلت: أنا لا أظنّ أنّ عالمًا من العُلَماء المُعتبَرين تُعرض عليه هذه الصّورة فيقول بأنّها جائزة!
نسأل الله عزّ وجلّ لِي ولَكُم التّوفيقَ إلى كُلِّ خير، وأن يجعلني وإيَّاكُم ممّن فازُوا بالثّواب العظيم، وأن يجعلَ مجلسنا هذا ممّا يسرّنا عند لقاء ربِّنا، واللهُ أعلَم.
وصلّى الله على نبيِّنَا وسلَّم.
فرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
18 / شوال / 1434هـ