وهكذا صرح ابن الفارض في جرأة شَرُود
بما يرمز عنه سواه من منافقي الصوفية،
حين يَفْجؤهم برهان الحق،
ولذا يقول:
إلى كم أُوَاخي الستر،هاقد هتكتُه**وحَلُّ أَوَاخي الُحْجبِ في عقد بَيْعَتِي
يعني أنه عاهد الحق حين بايعه على أن يهتك كل ستر،
و يحل كل أنشوطة،
حتى يرى كل ذي بصر أن الله يتمثل دائماً في صور الخلق،
وتتعين ذاته بذواتهم!!
وتدبر هذه الصراحة الصارخة الجرأة في قول ابن الفارض:
"وذاتي بذاتي، إذ تَحَلَّت تَجَلَّتِ"
تدبر
تجد الزنديق، يأبى أن يثبت لربه ذاتاً،
ويتعالى أن يجعل وجوده هو فيض وجود ربه،
فلم يقل :"وذاتي بذاته" أو "ذاته بذاتي"
وإنما قال: ليحكم بالعدم الصوفي على رب الوجود الحق، وخالقه:
"وذاتي بذاتي"
فليس ثمت إلا ذاته هو في الحالين !!
ألا تحس الجحودَ طاغي البغي؟!
ما ثم عند ابن الفارض من رب، ولا مربوب.
إلا وهو ابن الفارض إنه الخلاق.
وإنه هو الوجود، وواهب الوجود،
وما الرب الأكبر إلا أثر من آثار قدرته،
أو جزئي تأئهٌ حيران من كُلِّيِّه!!
هذا دين ابن الفارض.
فبماذا تحكم عليه ؟!
فوصفي إذ لم تدع باثنين وصفُها ** وهيئتها – إذ واحدٌ نحن- هيئتي
يزعم أن كل ما وصف به الله نفسَه،
فالموصوف به على الحقيقة هو ابن الفارض؛
لأنه الوجود الإلهي الحق،
في أزليته، وأبديته، وديمومته، وسرمديته.
فإن دُعِيَتْ كنتُ المجيبَ، وإن أكُنْ**منادًى أجابت من دعاني، ولَبَّتِ
إن دعي الله أجاب ابن الفارض؛ لأنه عينه،
وإن دعي ابن الفارض لبى الله، لأنه اسمه ومسماه!
ولكن أتلمح الكبر جائر العُتُوِّ من ابن الفارض على خالقه ؟
إذ يزعم أنه إن دُعِيَ الرب،
فما يفعل ابن الفارض شيئاً سوى أن يجيب،
أما إذا دعي ابن الفارض،
فما يكفي الرب أن يجيب،
وإنما يهرول ملهوفاً إلى التلبية !!.
ما كفاه زعمه أنه الله،
فأكد أن الربَّ الأكبر ما هو إلا صورة شاحبة منه،
وظلٌّ حيران له !!.