بيت الـلـغـة العــربـيـة هنا لغة العقيدة، وسياج الشريعة، وهوية كل مسلم |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
18-05-15, 07:16 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
بيت الـلـغـة العــربـيـة
ما التفكيك؟ ولكن ما التفكيك أو التقويض كما يسمَّى كذلك؟ إنه منهجٌ في قراءة النصوص وتفسيرها، هدَّامٌ خطيرٌ، قائمٌ على التشكيك في الثوابت واليقينيَّات، وعلى زَعزعة الثقة في أيِّ خطابٍ أو نصٍّ؛ سواء أكان هذا النص سماويًّا، أم بشريًّا، وحيًا من ربِّ العالمين، وكلامًا له، أم كلامًا للناس. ومن أبرز ما نادَى به التفكيك من آراءٍ تتعلَّق بقراءة النصوص: 1- يزعم أصحاب التفكيك "أنَّ جميع النصوص لا تَنزع إلى التناسُق والانسجام والانضباط، بل هي مُفككة متنافرة، وهي تحتوي على عناصر تمزيقٍ، أو نقاط قطْعٍ، أو فجوات تَسمح - حين تُفحص وتُدرك بدقَّة - بقراءات أخرى هامشيَّة، قراءات تضع المعنى الواضح ظاهريًّا، أو الحتْمي، أو المألوف - موضع التساؤل"[1]. وهذا كلام خطيرٌ، وتعميم في الحُكم لا يَقبله منطقٌ ولا عقلٌ، وإذا صحَّ أنَّ بعض النصوص مُفككة غير منسجمة ولا مترابطة، فهل يصحُّ أن يُعمَّم هذا الحكم؛ حتى تدخلَ فيه النصوص المقدَّسة والنصوص البشرية على حدٍّ سواء؟ وأين من هذا الحكم الضال نصوصُ القرآن الكريم المُعجزة المُحكمة الباهرة؟ وأين منه كلام رسول الله - - الفصيح البليغ المُحكم؟ بل أين ذلك من كلام الفُصحاء والبُلغاء المُتقن السَّديد؟! 2- ويمضي "التفكيك" في الضلال أكثر، فيَزعم أنَّ العلاقة بين "الدالّ"؛ أي: اللفظ أو الكلمة، و"مدلوله"؛ أي: معناه، والمفهوم منه - علاقة غير ثابتة ولا يقينيَّة، فالمفهوم من لفظ "شجرة" مثلاً عندما يُلفظ، ليس موجودًا فيه، وإنما هو مُعتمد على ما يَفهمه المتلقي من هذا اللفظ، عندما يُقارنه بألفاظٍ أخرى؛ مثل: "بقرة"، أو "ثمرة"، أو ما شاكَل ذلك من الألفاظ. ولا شكَّ في ضلال هذا الكلام؛ إذ هو يمثِّل أقصى درجات الشكِّ؛ الشك في اللغة نفسها، وفي قُدرتها على التواصُل والتفاهم. وإنَّ المعنى عندئذ لا يَحضر في أي دالٍّ حضورًا مؤكَّدًا أو قطعيًّا، إنه "ليس حاضرًا أبدًا - بكامل حضوره - في أي دليلٍ وحيد، وإنما هو في حالة من الترجرُج والغياب، وعندما أقرأ جملةً، فإن معناه يظل مُرتقبًا نوعًا ما على الدوام، مؤجَّلاً ومنتظرًا، دال يُسلمني إلى آخر، وذلك لآخر"[2]. وهكذا تُصبح اللغة نفسها - عند هؤلاء التفكيكيين- في موضع الشكِّ، غير متماسكة، وعاجزة عن التعبير عن أي شيءٍ تعبيرًا ذا دَلالة واضحة؛ أي: ينتفي ما يُسميه علماء الأصول عندنا "قطعيَّة الدَّلالة"، ويُصبح كلُّ شيءٍ عند هؤلاء القوم "ظنيَّ الدَّلالة"، قابلاً للأخْذ والرد، والمراجعة والشك، واختلاف الآراء بلا حدٍّ. 3- وقاد الضلال السابق التفكيكيين إلى ضلالٍ أخطرَ، وهو قولهم بما سمَّوه "لا نهائيَّة القراءة"؛ أي: إنَّ النص يحتمل عددًا غير نهائي من التفسيرات والتأويلات، على عدد قرَّائه ومُفسِّريه الذين يتناولونه. كان يُتَحدَّث عند قومٍ عن تعدُّد القراءات؛ أي: عن إمكانيَّة أن يكون للنص أحيانًا أكثر من تأويلٍ، ما دامَت طبيعة صياغته تَحتمل ذلك؛ إذ إنَّ العبرة في أن يكون النص ذاته - بلغته وتركيبه - يدل على هذا التفسير الذي ارتآه "المُؤَوِّل"، ولكنَّ هذه البدعة الجديدة لا تكتفي بذلك؛ إذ هي بعد أن شكَّكت في العلاقة بين اللفظ وما يدلُّ عليه في المعجم أو في الاصطلاح - قادها ذلك إلى شكٍّ آخرَ خطير، وهو عدم الإيمان بصحة أي قراءة، واعتبار أي قراءة - مهما كان مصدرها - ناقصة، وقابلة للنقض، أو الهدْم، أو "الفك" - بتعبيرهم - إلى قراءة أخرى وأخرى، في سلسلة لا تَنتهي من التأويل والتفسير المشكوك به جميعًا. وهكذا فتَح ما سمَّاه "التفكيكيون": "تعدُّدَ القراءات"، أو "لا نهائيَّة القراءات" - الباب على مِصراعيه للتلاعُب بالنصوص - مقدَّسة وغير مقدسة - والتجرُّؤ على العبث بالكلام واستنطاقه - إن حقًّا أو باطلاً - ما يريد المفسِّر أن يُقوِّلَه. 4- ولو أنَّ أهل "التفكيك" جعَلوا - في هذه التفسيرات الكثيرة المتعدِّدة - النصَّ مرجعَهم، كما يفعل أصحاب المنهج البنيوي مثلاً، لهانَ الخطب؛ إذ ما دامت لغة النص المُفسَّر وطبيعة صياغته وأسلوبه، تُساعد على هذا التفسير أو ذلك، فلا ضَيْرَ من ذلك. ولكنَّ أصحاب التفكيك يمضون في الغُلو والتطرُّف شوطًا أبعدَ، فيجعلون القارئ وحْده صاحب السلطان في التفسير، فهو الذي يُؤَوِّل النص كما يشاء، وهو الذي يُحدِّد دَلالاته ومَراميه. قالت هذه البدعة: إنَّ المتلقي هو صاحب السلطان، وهو شَريكٌ في إنتاج النص، وفي كتابته، وفي إعادة صياغته، إنه بتعبيرهم "مُنتج للنص"، لا "مُستهلك"، إنه "مُبدع"، لا "مجرَّد قارئ أو مُتلقٍّ". وإذا كان للقارئ - حقًّا - شأنٌ لا يُنكره أحدٌ، وإذا كان فَهْم النص وتأويله، واكتشاف أسراره العميقة الدفينة، يَعتمد على القارئ الأريب الذكي، لا على القارئ العادي، وإذا كانت صنعة التأويل والتفسير تَحتاج إلى مهارة ودُربة، وأدواتٍ معرفيَّة كثيرة، إذا كان ذلك كله حقًّا لا نزاعَ حوله، ولا جدال فيه، فإن الأحقَّ فيه أنَّ سلطان القارئ أو المفسِّر المُؤوِّل، ليس سلطانًا مُطلقًا؛ كما يقول هؤلاء التفكيكيون، ولكنَّه سلطان مقيَّد بالنص ذاته. إنَّ كل حركة يَخطوها المفسِّر محكومة بلغة النص وصياغته وأسلوبه، وبمعرفة ملابسات أخرى كثيرة، يُهملها هؤلاء القوم، كما سوف نُشير إلى ذلك في مقالٍ آخرَ - إن شاء الله تعالى. إن قراءة أي نصٍّ وتفسيرَه أو تأويله، تَخضع - في مختصرٍ من القول - لعاملين اثنين، هما: 1- احتمالية لغته؛ أي: ما يُرسله الدالُّ إلينا؛ أي: ما تؤدِّيه الألفاظ من المعاني، وما تُعبِّر عنه الكلمات من المفاهيم المتَّفق عليها عند مَن يتخاطبون بهذه "اللغة"، وكما هو متعارَف عليه في معاجمها وقواعدها وصرْفها، وليس على سلطان القارئ "السائب" لا المُنضبط؛ كما يريد أصحاب التكفيك. 2- جوُّ النص والملابسات الداخلية والخارجية التي كانت وراء ولادته. إنَّ النصوص لا تَنشأ من الفراغ، وعند تفسيرها وتأويلها، لا يُكتفى فقط بدَلالات ألفاظها، ومعاني كلماتها، أو بمعرفة قواعد اللغة، وأعرافها، بل لا بدَّ من معرفة الجو النفسي والاجتماعي، والسياسي والفكري، الذي خرَج النصُّ من رحمه، وكان نتاجًا من نتاجاته. إن من جوِّ النص مثلاً عند تفسير نصٍّ قرآني، معرفة مناسبته، وزمان نزوله، ومكان نزوله؛ مكي أم مدني، والناسخ والمنسوخ فيه، وغير ذلك من المعارِف التي لا بدَّ للمفسِّر - زيادةً على معرفته باللغة والصرف والبلاغة - من معرفتها، وإتقان أصولها وفروعها. ولكنَّ التفكيك الذي نتحدَّث عنه، وتَشْرَكه في هذا الجانب مناهجُ تفسيريَّة أخرى لا مجال للحديث عنها الآن - يُهمل هذه الملابسات جميعها، ولا يُعوِّل عليها. يُعوِّل التفكيك على القارئ وحْده، لا على النص، ولا على المؤلِّف، ولا على مصدر النص، ولا على مناسبته، وجوِّه، وملابسات تأليفه. القارئ وحْده هو السلطان، يفعل بالنص ما يشاء، يُؤَوِّله كما يرى، يستطيع أن يُقوِّله ما لَم يقل، وسيقول له التفكيك - عن أي تأويل يراه -: إن تأويلك هذا مقبول، ولكنَّه غير نهائي ولا قطعي، أفْسِح المجال لقارئ آخرَ أن يقول ما يريد، أصْغِ إليه كما أصغَينا إليك، واقْبَل تأويله كما قَبِلنا تأويلك. وهكذا تضيع حقيقة النصوص في هذه البدعة الخطيرة المُسمَّاة بنظرية القراءة، أو بـ"نظرية استجابة القارئ"، كما يَحلو لبعضهم أن يدعوها. إن جوهر المنهج التفكيكي - كما يقول الفيلسوف التفكيكي الفرنسي مؤسس هذا "جاك دريدا" - هو ما سمَّاه "غياب المركز" الثابت للنص؛ أي: غياب المعنى اليقيني، أو الحقيقي، الذي يُمكن أن يقال عن نصٍّ من النصوص: إنه يَحمله. وإذا كان ذلك كذلك، فإن النصوص لا تقول أبدًا شيئًا محددًا قاطعًا، ومِن ثَمَّ يُصبح من حقِّ القارئ أن يَستخرج منها ما يشاء، أن يَبحث باستمرار عن هذا المخبأ المُبهم الكامن في أعماق النص، ولكنَّه - مهما اجتهَد في هذا البحث، ومهما حاول وجَدَّ - فلن يستطيع الوصول إلى اليقين. إن التفكيك الذي رَكِب موجته اليوم بعض الباحثين والدارسين العرب، وراحوا يُطبِّقونه أحيانًا على تفسير النصوص المقدَّسة - هو اتجاه خطير، قائمٌ على الشك والعدميَّة في ظلِّ غياب رُوح الإيمان واليقين عن الفكر الغربي الحديث. يقول ميلر - الناقد الغربي - واصفًا التفكيك بـ"العدمية": "العدمية، لقد أصبَحت هذه الكلمة لقبًا للتفكيك الحاضر؛سرًّا وعلانية، كاسم لطرازٍ جديدٍ من النقد، يُخشى منه ومن قُدرته على التشكيك بقيمة كلِّ القِيم.."[3]. ويصفه باحث عربي بأنه: "كالثور الهائج في حانوت عاديات، انطَلق يُدمِّر كلَّ شيءٍ من غير ضوابطَ.."[4]. وأخيرًا أقول: إن ما ذكَرته في هذا المقال هو بعض من وجوه هذا المنهج الفكري الغربي، الذي يُمثِّل ما يُسمَّى "ما بعد الحداثة"، وهو - للأسف على عواره الواضح لكلِّ ذي عينين - أصبَح يَحظى بحضورٍ في مناهجنا الدراسيَّة، وفي بحوث عددٍ غير قليل من المفسِّرين والمُؤَوِّلين للنصوص. ولكنَّ للتفكيك وجوهًا أخرى خطيرة، لعلَّه تُتاح لنا فرصة أن نَعرض لها في مقالٍ آخر - إن شاء الله تعالى. [1] نظرية الأدب المعاصر وقراءة الشعر؛ ديفيد شبندر، ترجمة عبدالمقصود عبدالكريم، ص (76)، مصر، 1996م. [2] نظرية الأدب؛ تيري إيغلتون؛ ترجمة ثائر ديب، ص (221)، دمشق، 1995م. [3] العمى والبصيرة؛ بول دي مان، ترجمة سعيد الغانمي، ص (5)، أبو ظبي، 1995م. [4] المرايا المُحدبة؛ عبدالعزيز حمودة، ص ( 307)، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1998م.
hgjt;d; >> lki[ o'dv td hgjtsdv L lrhgR kQr]d~
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
18-05-15, 08:13 PM | المشاركة رقم: 2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
تألق
المنتدى :
بيت الـلـغـة العــربـيـة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
19-02-18, 07:02 AM | المشاركة رقم: 3 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
تألق
المنتدى :
بيت الـلـغـة العــربـيـة
قال "من صنع إليه معروفا فقال: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء" سنن الترمذي حكم الحديث: صحيح فجزاكم الله خيراً ونفع الله بكم وبما قدمتم وجعله في موازين حسناتكم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 1 : | |
ALSHAMIKH |
|
|