الحلقة الرابعة والثلاثون
المواساة في نظر الإمامی ة المعاصرة والمتأخرة قلیلاً ھي اللطم
والضرب بالسلاسل من أجل الزھراء - علیھا السلام - ومواساة لھا ..
ولكن للشیخ الشھید مطھري على ھذا الكلام تدقیق عقلاني جداً فھو
یقول : ((إن ھذا أمر مثیر للسخریة, فھل تحتاج الزھراء بعد مرور
1400 عاماً على المأساة إلى المواساة , في الوقت الذي نعلم فیھ بأنھا
الآن مجتمعة مع الحسین ع( )... وھل أن فاطمة عندكم طفلة صغیرة
حتى تظل تلطم وتبكي بعد 1400 عاماً حتى نأتي لنعزیھا ونأخذ
بخاطرھا ھذا ھو الكلام الذي یخرّب الدین (.)) الملحمة الحسینة 1/ 35).
یستدل كثیر من علماء الشیعة الإمامیة بمسألة إسالة الدماء من اجل
الحسین بھذه الروایة ، وھي أن العقیلة زینب الكبرى عندما رأت رأس
أخیھا الحسین مرفوعاً فوق الرمح أمام محملھا نطحت جبینھا بمقدم
المحمل حتى سال الدم وتقاطر من تحت قناعھا ( . فتاوى العلماء في
الشعائر الحسینیة ,100 141).
ولكن ما ھو رأي المجلسي في صحة ھذه الروایة ؟ .
یقول المجلسي في البحار رأیت في بعض الكتب المعتبرة روى مرسلاً
عن مسلم الجصاص)) ثم ذكر ھذه الروایة ..
ولو سلمنا جدلاً أن الروایة معتبرة فنحن أمام معضلة مخالفتھا
لوصیة الحسین - علیھ السلام - عندما قال لھا (: أخیّھ إني أقسمت
فأبري قسمي, لا تشقي علي ولا تخمشي علي وجھا,ً ولا تدعي علي
بالویل والثبور إذا أنا ھلكت . ) الإرشاد 2/ 94
فإذا كانت وصیتھ أن ینھاھا عن الخمش للوجھ فكیف بإدماء الرأس !؟
الاستدلال الثاني للإمامیة ھي روایة الرضا - علیھ السلام - كما في
أمالي الصدوق ( إن یوم الحسین أقرح جفوننا وأسبل دموعنا . )
التقریح ھو أثر البكاء على الجفن فتراھا محمر ة لھذه السبب والتقریح
یكون أمراً طبیعیاً لا تمثیلیاً .
ومع أن ھذه الروایة فیھا مشكلة في سندھا ولكن من باب الاستدلال
العقلي نقول ھل التقریح یصل لدرجة ضرب الرأس ب السیف لیسیل الدم
!؟
التقریح الدمعي یختلف عن التقریح الدموي ، فالثاني یصل إلى حد
الإغماء .
وھناك قاعدة أصیلة تقول أن الأدنى لا یقاس بالأعلى أو العكس .
وما أجمل وصف السید محسن الأمین في معنى التقریح حیث قال في
التنزیھ : ( یحصل بصورة قھریة نتیجة لكثرة البكاء ولیس عن اختیار
وتعمد – كما في ضرب الرأس . )
فالقضیة إذن قضیة مبدأ فأنت عندما تقول مثل المستدلین على حلیة
التطبیر وضرب السلاسل بأنھا حلال ؛ لأنھا لا تضر والأصل في
الأمور ھو الحلیة ..
فنقول إن كان الأصل في الأمور ھو الحلیة إو ن كان ضرب الرؤوس
لا یقتل فھل على الأقل ھو یؤذي ؟
فھل ننتظر حتى یكون الضرر ممیتا لكي نحرمھ !!. سبحان ربي
العظیم ..
تمسك السید الأمین والسید فضل االله و الشیخ محمد حسین كاشف
الغطاء بدلیل فقھي على تحریم ضرر الجسم حتى لو كان یسیراً وھو (
إذا خاف المكلف حصول الخشونة في الجلد وتشققھ من استعمال الماء
في الوضوء انتقل فرضھ إلى التیمم ولم یجز لھ الوضوء , مع أنھ أقل
ضرراً وإیذاءً من شق الرؤوس بالمدى والسیوف .) التنزیھ 28
أما آیة االله علي الخامنئي وھاشم معروف الحسیني والشیخ مغنیة
فقد استدلوا بدلیل آخر لتحریم ھذا الفعل وھو (( شیعتنا كونوا زیناً لنا
ولا تكونوا شیناً علینا )) ..
فھذا من باب وھن المذھب ونظرة الناس لھ بأنھ وحشي متخلف فقد
أفتوا ھؤلاء بالتحریم ..
كما عند السید الحكیم الذي جعل الأمر على أنھ یحرم إن كان فیھ تھییج
وسخریة وضرر ( فتاوى العلماء في الشعائر88 )
* موقف العلماء من ضرب الرأس :
قد یحلو للبعض أن یقول أن القول بتحریم ضرب الرأس شاذ ولم
یتبناه من یعتد بھ من العلماء , ولكن ھذا الكلام ناشئ عن قلة الاطلاع
على آراء العلماء , فإن الكثیر من علماء الإمامی ة وقفوا بوجھ ھذه العادة
وغیرھا من العادات الدخیلة ..
یقول الخمیني : ((فنحن لا نقول ولا یقول أحد من المؤمنین أن كل
عمل یقام بھذا العنوان ھو عمل مقبول, بل إن العلماء الكبار اعتبروا
الكثیر من ھذه الأعمال غیر جائزة وكانوا یمنعون منھ ( .))ا كشف
الأسرار/ 169).
ویعتبر السید محسن الأمین من أشجع العلماء في مواجھة ھذه العادة
وغیرھا من ((المنكرات والبدع)) – على حد تعبیره – التي أدخلت
على الشعائر الحسینیة, فقد قاد رحم ھ االله حركة إصلاحیة في
مواجھتھا, وقد ناصر ه في حركتھ ھذه السید أبو الحسن الأصفھاني ,-
مفتیاً بحرمة ضرب الرأس – والسید ھبة الدین الشھرستاني والشیخ
عبد الكریم الجزائري المجتھد الكبیر, وھكذا العلامة الشیخ محسن
شرارة والسید مھدي القزویني وغیرھم (. أعیان الشیعة178/10).
وقد اعترف الشیخ محمد حسین كاشف الغطاء في كتاب ( ھ الفردوس
الأعلى21/) بأن مقتضى القواعد حرمة إدماء الرأس, وإن دافع عنھ
في بعض كتبھ الأخرى .
وھكذا ھاجم ھذه العادة علماء آخرون فالسید ھاشم معروف
الحسیني اعتبرھا ظاھرة شاذة ودخیلة, وأنھا من الزیادات التي أساءت
للمآتم الحسینیة وإلى التشیع, وقد استغلھا أعداء الشیعة للتندید والتشویھ
والسخریة ، وصاروا یقصدون بلدة النبطیة یوم العاشر من محرم
ویسمونھ یوم جنون الشیعة ,
ویضیف: بأن الأئمة بلا شك لا یرضون بھذه المظاھر ویتبرئون منھا .
(من وحي الثورة الحسینیة167/).
وھكذا وجدنا الشیخ عبد االله نعمة یراھا من الشوائب الغریبة البعیدة عن
روح الذكرى وجلالھا وأھدافھا, وأنھا لا تتصل بالدین بسبب أو نسب,
وإنما ھي عادة دخیلة على المجتمع الشیعي امتصھا من خارجھ .
(روح التشیع 499).
وأخیراً دعا آیة االله العظمى السید القائد الخامنئي إلى محاربة ھذه
الظاھرة والمنع منھا لأنھا تسيء إلى التشیع وتشوه صورتھ .
ویستطیع السائل أن یذھب إلى مكتبھ في الانترنت ویقرأ فتاویھ عن
شھر محرم ، ولھ مقال ة جدیدة مصدرھا دار الولایة للثقافة والإعلام ،
عنوان الموضوع "توجیھات ولي أمر المسلمین الإمام الخامنئي(دام
ظلھ) حول التطبیر ..
وأما فتاوى الفقھاء المعاصرین والمثقفین فھي تربوا على أربعین
فتوى, وقد جمعھا كتاب ((من فقھ عاشوراء)) لعبد النبي عبد المجید
النشابة .
ونختم الحدیث بكلمة للشیخ محمد جواد مغنیة تصور موقف العلماء
تجاه ھذه العادة یقول : ((وعلماء الشیعة بكاملھا دون استثناء ینكرونھا
أشد الإنكار, وإذا سكت عنھا من سكت وغض الطرف, فإنما یسكت
خوفاً من بعض العوام الذین اتخذوھا سبیلاً للاتجار والكسب ((إِنَّمَا
ذَلِكُمُ الشَّیْطَانُ یُخَوِّفُ أَوْلِیَاءهُ فَلاَ تَخَافُوھُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِینَ))
من سورة آل عمران الآیة رقم 170
(الإسلام مع الحیاة68/ .)
------------------------------