( 23)
( 23)
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
( فغلاتهم يجْعَلُونَ ذَلِك مُطلقًا عَاما فيحتجون بِالْقدرِ فِي كل مَا يخالفون فِيهِ الشَّرِيعَة.وَقَول هَؤُلَاءِ شَرّ من قَول الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَهُوَ من جنس قَول الْمُشْركين الَّذين قَالُوا {لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء) وَقَالُوا[٢٠ الزخرف] {لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم} .
!وَهَؤُلَاء من أعظم أهل الأَرْض تناقضا بل كل من احْتج بِالْقدرِ فَإِنَّهُ متناقض فَإِنَّهُ لَا يُمكنهُ أَن يُقَرّ كل آدَمِيّ على مَا يفعل فَلَا بُد إِذا ظلمه ظَالِم أَو ظلم النَّاس ظَالِم وسعى فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وَأخذ يسفك دِمَاء النَّاس ويستحل الْفروج وَيهْلك الْحَرْث والنسل وَنَحْو ذَلِك من أَنْوَاع الضَّرَر الَّتِي لَا قِوام للنَّاس بهَا أَن يدْفع هَذَا القدَر وَأَن يُعَاقب الظَّالِم بِمَا يكف عدوانه وعدوان أَمْثَاله فَيُقَال لَهُ: إِن كَانَ الْقدر حجَّة فدع كل أحد يفعل مَا يَشَاء بك وبغيرك وَإِن لم يكن حجَّة بَطل أصل قَوْلك: [إِن الْقدرحجَّة.
وَأَصْحَاب هَذَا القَوْل الَّذين يحتجون بِالْحَقِيقَةِ الكونية لَايطردون هَذَا القَوْل وَلَا يلتزمونه وَإِنَّمَا هم يتبعُون آراءهم وأهواءهم كَمَا قَالَ فيهم بعض الْعلمَاء: أَنْت عِنْد الطَّاعَة قدَري وَعند الْمعْصِيَة جَبْري أيُّ مَذْهَب وَافق هَوَاك تمذهبت بِهِ .)
( 121)
الشرح :
-هذه العبارة ( شَرّ من قَول الْيَهُود وَالنَّصَارَى ) يستعلمها المصنف في كثير من تراتيبه لأحكام المقالات فلايحكم بهذا السياق وحده إذا ورد عند المصنف في موارد المعاني المختلفة والمتنوعة
فهذا لايراد به التسوية أو التفضيل المطلق وإنما يراد من وجه من الوجوه .
لإن في دين أهل الكتاب من البقية التي خالفتها تلك الفلسفات .
- أصل تلك المعاني التي يشير إلى فسادها هي من الفلسفات الضالة التي دخلت على تاريخ المسلمين وليست من مادة نظر علمائهم أو حتى نظارهم أو حتى متكلميهم ولهذا كان عامة متكلمة المسلمين ينكرون ذلك .
- كماورد عن الغزالي وغيره ممن بين فساد الفلسفة ورد عليها كما في كتابه ( تهافت الفلاسفة )
وهذا قاله في مادون ذلك من الحقائق العقلية فضلاً عما يذكره المصنفون بماتعلق بضلالات قوم فوق ذلك .
( تناقض المحتج بالقدر )
-لايوجد أحد من عقلاء بني آدم أو من مجانينهم يحتج بالقدر على حقيقة الاحتجاج بالقدر .
- معنى حقيقة الاحتجاج بالقدر :
حينما تقول أن قدر الله تعالى متعلق بجميع مايكون فإذا نظرنا للعبد قلت أن قدر الله متعلق بجميع أفعال العبد
فمامن فعل يفعله أو يكون له ولامسبب يكون له ولاسبب يقوم به إلا هو من قدر الله .
فإذا كان كذلك : فإذا ترك ماهو من الشرع محتجاً بالقدر أو وقع في ظلم أو معصية أو فساد فاحتج بالقدر على معصيته أن الله قدرها وكتبها
قيل : هذا لايطرد عنده ولاعند غيره من العقلاء لإنك أذا جئته في بقية أمره لم نجد أنه يستعمل مقام القدر فلو أن شخصاً قتل ابناً له
فإن القتل - وإن كان محرماً ومجرماً - لكنه وقع بقدر الله فلو شاء الله لم يقع
فهل ترى أن أحداً من بنى آدم من المسلمين أو غيرهم يقبل عدواناً عليه أو على أهله أو ماله أو عرضه بحجة أن المعتدي وقع عداونه بقضاء الله ومشيئة
هل سمعت أن أحداً يقبل بمثل هذا ؟
- لايتصور في العقل أن أحداً يقبله ولاحتى المجانين من بني آدم سواء كان مسلماً أو غير مسلم .
-هذا يدلك أن مقام الاحتجاج بالقدر مقام ساقط
وطرده يبين سقطه .
فمن يحتج بالقدر على معصية الله أو ترك شي مما أمر الله به فيقال له : لاتذهب لعملك لإنه إن كان كتب الله لك الرزق فسيأتيك ولاأحد يقبل بهذا .
- من أين جاء الخلل ؟
من توهم أن القدر هو المآل دون الحال .
- الحق الذي تقتضيه الفطرة ودليل العقل فضلاً عن المستفيض المتواتر المجمع عليه في دليل الشرع أن القدر متعلق بكل شئ
( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) فلايعزب عن علم الله تعالى مثقال ذرة لافي الأرض ولافي السماء .
- ماشاء العباد شيئاً في أحوالهم العامة أوالخاصة في البر أو غيره إلا والله سبحانه مهيمن على خلقه بمشيئته العامة ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )
( فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ )
ولهذا لم يحتج بالقدر على الإطلاق والإطباق أحد من بني آدم لامن المسلمين ولامن غيرهم لامن عقلائهم ولامن مجانينهم .
لإن هذا فرط مناقضة للعقل لم يستعمله حتى المجنون لإن فيه بقية من عقل وإنما ذهل أو جن أو تخبطه شيطان .
- المقصود أن اسقاط الاحتجاج بالقدر على معصية الله يكفي في إسقاطه طرده فإذا طردته بان بأنه لايستقيم على أي وجه .
-حقيقة الاحتجاج بالقدر أنه ليس حجة عقلية بل هو تزيين محض من الشيطان
مثل مازين لبعض الناس ذلك الأمر الفاسد هو قتل الأولاد ولكن لما كان قتل الأولاد فساد ظاهر مادياً أعرضت عنه النفوس إلا من شذ .
-لما كان موضوع القدر من المواضيع العلمية في النفوس والعقول صار الشيطان يستعمل فيه مع بعض من ضعفت نفسه وداخله وسواس من الشيطان فربما ابتلاه بهذه القضية حتى اشتبهت عليه .
-مع أنها في الحقيقة ليست من المشتبهات التي تحتاج إلى أوجه لدفع الشبهة فيها .
- لإنها أصلا لاشبهة فيها تقوى إلى درجة الإشكال الذي يحتاج دفع وإنما هي قضية وهمية شيطانية .
-لهذا لم يكن الاحتجاج بالقدر مذهباً نظرياً لأحد من أهل العلم والنظر لامن هذه الأمة ولامن غيرها .
-حتى المشركون لم يقولوا ماقالوه على جهة الترتيب العلمي وإنما قالوه مكابرة ولهذا سماه الله تكذيباً (ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا)
-----------------
الشرط الخامس ( د 34 )