إله الغزالي ( 1 )
ولعل ما يقلق دهشتك، ويثير ثائرتك أن يقرن بأولئك
هذا الذي افترى له الصوفية أضخم لقب في التاريخ،
وهو "حجة الإسلام" ليفتكوا بهذا اللقب الخادع
بما بقي من ومضات النور الشاحبة في قلوب المسلمين.
فاسمع إلى كاهن الصوفية – لا حجة الإسلام –
يتحدث عن التوحيد ومراتبه
"للتوحيد أربع مراتب ...
والثانية: أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه،
كما صدق به عموم المسلمين،
وهو اعتقاد العوام !! ( 2 ) .
والثالثة: أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق،
وهو مقام المقربين،
وذلك بأن يرى أشياء كثيرة،
ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار ( 3 ) .
والرابعة : ألَّا يرى في الوجود إلا واحداً ،( 4 )
وهي مشاهدة الصدِّيقين،
وتسميه الصوفية: الفناء في التوحيد،
لأنه من حيث لا يرى إلا واحداً،
فلا يرى نفسه أيضاً،
وإذا لم ير نفسه؛ لكونه مستغرقاً بالتوحيد،
كان فانياً عن نفسه في توحيده،
بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق"
ثم يحدثنا الغزالي عن مقامات الموحدين في كل مرتبة،
فيصف صاحب المرتبة الرابعة من التوحيد بقوله:
"والرابع موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد،
فلا يرى الكل من حيث إنه كثير،
بل من حيث إنه واحد،
وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد.
فإن قلتَ. كيف يُتَصَوَّر ألا يشاهد إلا واحداً،
وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة ،
وهي كثيرة ؟
فكيف يكون الكثير واحداً؟
فاعلم أن هذه غاية علوم المكاشفات ،( 5 )
وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تُسَطَّر في كتاب ، ( 6 )
فقد قال العارفون: إفشاء سر الربوبية كفر . ( 7 )
ثم يضرب لنا مثلاً عن شهوة الوحدة في الكثرة بقوله :
"كما أن الإنسان كثير
إن التفتَّ إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه،
وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد ..
فكذلك كل مافي الوجود من الخالق والمخلوق
له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة
فهو باعتبار من الاعتبارات واحد،
وباعتبار آخر سواه كثير ومثاله الإنسان،
وإن كان لا يطابق الغرض،
ولكنه ينبه في الجملة
على كيفية مصير الكثرة في حكم المشاهدة واحداً،
ويستبين بهذا الكلام
ترك الإنكار والجحود لمقام لم تبلغه،
وتؤمن إيمان تصديق،( 8 )
وإلى هذا أشار الحسين بن منصور الحلاج ( 9 )
حيث رأى الخواص يدور في الأسفار
فقال: فيماذا أنت؟
فقال : أدور في الأسفار؛ لأصحح حالتي في التوكل،
فقال الحسين: قد أفنيت عمرك في عمران باطنك،
فأين الفناء في التوحيد ؟!
فكأن الخواص (10) كان في تصحيح المقام الثالث،
فطالبه بالمقام الرابع (11)
أرأيت إلى من صَنَّمَتْه الصوفية باللقب الفخم الضخم؛
لتفتن به المسلمين عن هدي الله ؟!
أرأيت إلى الغزالي يدين بوحدة الوجود، أو الشهود ؟!
سَمِّها بما شئت،
فعند الكفر تلتقي الأسطورتان،
لا تقل : إن وحدة الوجود أنشودة من البداية،
ووحدة الشهود أغرودة عند النهاية،
فكلتاهما بدعة صوفية
بيد أنها غايرت بين الاسمين، وخالفت بين اللونين،
ولكن البصر البصير
لا يخدعه اسم الشهد سمي به السم الناقع !!
كلتاهما زعاف الرقطاء،
غير أن واحدة منهما في كأس من زجاج،
والأخرى في كأس من ذهب !!
ولقد فضح الغزالي سره
حين تمثل في إعجاب بتوحيد الحلاج.
وهذا وحده كاف في إدانة الغزالي بالحلَّاجية،
ولقد علمت ما هي !!
******************
( 1 ) هو محمد بن محمد بن أحمد الطوسي أبو حامد الغزالي مات سنة 505هـ
( 2 ) تدبر وصفه لعموم المسلمين بأنهم عوام في الاعتقاد!!.
( 3 ) في هذه المرتبة يقرر وحدة الفاعل، بدليل ما سيقرره بعد،
وهو أنه لا يشاهد إلا فاعلاً واحداً،
فيلزمه نسبة فعل المجرم إلى ذلك الفاعل الواحد
( 4 ) قرر فيما سبق وحدة الفاعل ولكنه لم ينف وجود غيره،
أما في هذه، فيقرر وحدة الموجود أي وحدة الوجود،
يقرر أن الذوات على كثرتها هي في الحقيقة ذات واحدة
( 5 ) يكل المعرفة بأسمى مراتب التوحيد إلى علوم المكاشفات، فما تلك العلوم ؟
إنها قطعاً شيء آخر غير الكتاب والسنة،
إنها أساطير الصوفية التي استمدوها من "أذواقهم ومواجيدهم" ثم سجلوها في كتبهم،
فكأن القرآن وسنة الرسول ليس فيهما ما يصل بالقلب إلى قدس الحق من التوحيد الخالص،
فتدبر تجد الغزالي يهدف إلى صرف المسلمين عن هدي ربهم إلى خرافات الصوفية وضلالاتهم
( 6 ) اقرأ بعد هذا قول الله تعالى "ما فرطنا في الكتاب من شيء "
وأهم شيء هو توحيد الله في ربوبيته وإلهيته،
ولكن الغزالي يزعم أن حقيقة التوحيد الحق لا يجوز أن تسطر في كتاب،
وهذا معناه أنها ليست في كتاب الله،
وأنه لا يعرفها أحد إلا الصوفية أرباب الكشف!!
( 7 ) هذا معناه أنه هو وأمثاله من الصوفية يعرفون أسرار الربوبية، غير أنهم يضنون بها على الكتب،
وأن المسلمين جميعاً لا يعرفون حقيقة التوحيد!!
ومعناه مرة أخرى: أن كتاب الله ليس فيه الحق من التوحيد
( 8 ) بهذا الهراء يستدل الغزالي على الوحدة بين الخلق والخالق، ويحتم علينا الإيمان به!!
كنا نحب أن يأتينا بآية من كتاب الله، أو أثارة من فكر صحيح وبرهان عقلي.
بيد أنه لجأ إلى الخيال السقيم يشبه الوحدة بين الله وعباده بالوحدة بين الإنسان وأعضائه!!
( 9 ) صلب سنة 309هـ لثبوت زندقته
( 10 ) هو إبراهيم بن إسماعيل أبو اسحق الخواص مات 291هـ
( 11 ) كل النصوص التي ذكرتها من كتاب الإحياء للغزالي
جـ4 من ص 212 وما بعدها ط دار الكتب العربية.
وعجيب أن يمجد الغزالي الحلاج، وهو يعلم أنه قائل هذه الأبيات:
سبحان من أظهر ناسوته ** سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهراً ** في صورة الآكل والشاربْ
حتى لقد عاينه خلقه ** كلحظة الحاجب بالحاجب
* * *
مزجت روحك في روحي كما ** تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسَّك شيء مسني ** فإذا أنت أنا في كل حال
الطواسين للحلاج ص 130، 142.
عجيب أن يمجد الغزالي صوفياً يزعم أن الله آكل شارب، يحب الحياة ويخاف الموت،
ويمحقه العدم ويقتله الحزن، وتزل به الشهوات، لأنه عين خلقه !!
ألم يجد الغزالي من المؤمنين من يتمثل به في بلوغ أسمى مراتب التوحيد ؟
ألم يعطفه توحيد أبي بكر وعمر،
فينصرف عنهما إلى تمجيد زندقة الحلاج ؟!