24/ الأب :
الأبُّ: بفتح الهمزة وتشديد الباء: هو الكلأ الذي ترعاه الأنعام.
أخرج أبو عبيد في «فضائله» وعبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال سئل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عن الأب ما هو فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى ما لا أعلم.
وأخرج ابن سعد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وغيرهم عن أنس أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ على المنبر{ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً} [عبس: 27] إلى قوله:{ وأباً} [عبس: 28] فقال كل هذا قد عرفناه فما الأب ثم رفض عصا كانت في يده فقال هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الأب؛ ابتغوا ما بُيِّن لكم من هذا الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه.
وفي «صحيح البخاري» من رواية أنس أيضاً أنه قرأ ذلك وقال: فما الأب؟ ثم قال: ما كلفنا أو ما أمرنا بهذا.
ويتراءى من ذلك النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته.
قال الزمخشري (ت 538 هـ) في تفسيره الكشاف :
" فإن قلت: فهذا يشبه النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته.
قلت: لم يذهب إلى ذلك، ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل، وكان التشاغل بشيء من العلم لا يعمل به تكلفاً عندهم؛ فأراد أنّ الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره، وقد علم من فحوى الآية أنّ الأب بعض ما أنبته الله للإنسان متاعاً له أو لإنعامه؛ فعليك بما هو أهم من النهوض بالشكر لله - على ما تبين لك ولم يشكل - مما عدّد من نعمه، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ومعرفة النبات الخاص الذي هو اسم له، واكتف بالمعرفة الجميلة إلى أن يتبين لك في غير هذا الوقت، ثم وصى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن" .
قال الألوسي (ت 1270 هـ) في تفسيره روح المعاني معلقاً على كلام الزمخشري:
" وهو قصارى ما يقال في توجيه ذلك، لكن في بعض الآثار عن الفاروق كما في «الدر المنثور» ما يبعد فيه إن صح هذا التوجيه في شيء؛ وهو أنه ينبغي أن خفاء تعيين المراد من الأب على الشيخين ا ونحوها من الصحابة؛ وكذا الاختلاف فيه لا يستدعي كونه غريباً مخلاً بالفصاحة، وأنه غير مستعمل عند العرب العرباء، وقد فسره ابن عباس لابن الأزرق بما تعتلف منه الدواب واستشهد به بقول الشاعر:
ترى به الأب واليقطين مختلطاً
ووقع في شعر بعض الصحابة كما سمعت ومن تتبع وجد غير ذلك ".
والذي وقع في شعر الصحابة هو قول بعضهم يمدح النبـي :
له دعوة ميمونة ريحها الصبا * * * بها ينبت الله الحصيدة والأبا
وعلق ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير على كلام الزمخشري هذا بعد أن أورده وقال:
" ولم يأت كلام «الكشاف» بأزيد من تقرير الإِشكال ".
وقال:
" والذي يظهر لي في انتفاء علم الصديق والفاروق بمدلول الأبّ وهما من خُلّص العربِ لأحد سببين:
إما لأن هذا اللفظ كان قد تنوسي من استعمالهم؛ فأحياه القرآن لرعاية الفاصلة، فإن الكلمة قد تشتهر في بعض القبائل أو في بعض الأزمان وتُنسى في بعضها؛ مثل اسم السِّكين عندَ الأوس والخزرج، فقد " قال أنس بن مالك: ما كُنَّا نَقول إلا المُدْية حتى سمعت قول رسول الله يذكر أن سليمان قال: «ائيتوني بالسكين أقْسِمْ الطفْلَ بينهما نصفين» "
وإما لأن كلمة الأبّ تطلق على أشياء كثيرة، منها: النبت الذي ترعاه الأنعام، ومنها: التبن، ومنها: يابس الفاكهة، فكان إمساك أبي بكر وعمر عن بيان معناه لعدم الجزم بما أراد الله منه على التعيين "