التمسك بالعروة الوثقى منجاة ومكرمة يخص الله عز وجل بها من شاء ممن كتبَ لهم البصيرة، ولقد كنت وما زلت أنادي بل أنافح بأن المصدر الأعلى والأوثق والأحكم للمعرفة البشرية يكمن في كتاب الله عز وجل وصحيح السنة المطهرة، وقد لاقيت- وما زلت- موجة من المعارضة التي ما بلغت مني إلا ما بلغه نفخ طفل على الجبال الرواسي، ولا أقول هذا تشبثاً برأي أو تمسكاً بباطل لا قدر الله ولكن الحق عندي أبلج ومن لم يعلم اليوم فليعلم في الغد أو ليبق كما أراد لنفسه، وفي هذا الاتجاه من الفكر الفلسفي للتعامل مع الأمور كان ولا يزال لنا ملحمة علمية في ما يتعلق بالدور المحوري والتفاعل الكوني للقلب البشري فقد بدأنا الفكر إيماناً بصريح الكتاب والسنة اللذين نظرا للقلب كونه عقلاً وفي خط بياني متصاعد من الحجة العلمية تمكنت آلة العلم الحديث من إثبات الدور الكوني للقلب البشري كما أوضحنا ذلك في الأسبوع المنصرم من خلال الفضائيات التي هبت لمقابلتنا لإيضاح هذا الحدث الهام.
وفي نفس السياق أطرح في مقالي لهذا الأسبوع مناقضة أخرى هامة لما أوردته المراجع الطبية خلال الخمس والعشرين سنة الماضية والتي كانت تؤكد أن النبيذ الأحمر هو أحد عوامل صحة القلب، مما أوقع الطبيب المسلم في حرج إذ إن المولى عز وجل لا يحرم الطيبات، ولقد تكرر السؤال من مرضانا مئات المرات خلال السنين الفائتة، وكنت وما زلت ولله الحمد أقول إن ما نزل من الحق على قلب محمد أولى أن يتبع، وكان الكثير من أبناء المجتمع المتغربين يعتبون علي عدم الانقياد لما تضمنته المقالات العلمية المحكمة من فائدة النبيذ الأحمر للقلب، وبعد ربع قرن من الزمن تتراكم المعرفة البشرية لتهتز المبادئ التي ظن أصحابها أنها الحق المبين الذي ما لبث أن جاءه الباطل من بين يديه ومن خلفه.
والحقيقة التي يجب على الجميع العلم بها أن كون النبيذ الأحمر عاملا مضادا للأكسدة وعليه فإنه مفيد للقلب هو كلام مدحوض مرفوض حسب البرهان العلمي الذي يقف على أرض صلبة من المنطق إذ إن الحجة البائدة كانت تستند إلى وجود مادة الريسفيراترول المتعددة الفينول والمضادة للأكسدة والحقيقة الأكيدة أن وجود هذه المادة مثبت بصورة نقية في العنب الأحمر بينما النبيذ يحتوي السم الضارب للقلب المتفق عليه في جميع الدوائر العلمية ألا وهو مادة الكحول والتي لا يختلف اثنان من الأطباء على كونها مضعفة لعضلات القلب وللبطانة الخاصة بالشرايين التاجية كما أنها محفزة لارتفاع الضغط الشرياني والجلطات وكذلك اضطرابات النبض.
ولما كان الجسد يدعم بعضه بعضا فإن ضعف أي عضو إضعاف لكامل الجسد والمساوئ التي تشتهر بها مادة الكحول تتعدى القلب إلى تحفيز تكوين القرحات المعدية والتهابات البنكرياس القاتلة بل وتعطيل وظائف الكبد التي قد تصل بها إلى الفشل التام وتوابعه القاتلة.. أضف إلى ذلك اضطرابات الهرمونات والسمنة والعنة، ومن المفارقات العجيبة التعلق بحجة أن مادة الريسفيراترول لها دور كابح للسرطان وهذه حقيقة ولكن هناك حقيقة أخرى أن مادة الكحول تتسبب في ما لا يقل عن خمسة أنواع من السرطان بل إن هناك اتفاقا تاما على أن الكحول مادة سمية للخلايا الحية وعليه فإن لغة المنطق تفرض لزاماً التأكيد على أن من أراد الفوائد الصحية المثبتة لمادة الريسفيراترول فإنه بالتأكيد ليس من المنطق تناولها مع السم الزعاف وهو الكحول في ما يسمى بالنبيذ الأحمر بل إن لغة المنطق والعقل تشير بوضوح إلى أن تناول الطيبات التي تحتوي الريسفيراترول مثل العنب الأحمر والتوت البري هو خيار العقلاء الذي ارتضاه المولى عز وجل لنا لنبقى متميزين بنعمة العقل التي تستلزم التكليف الذي يميزنا عن بقية الخلائق.
ومن العجائب أن تخفى مثل هذه الحجة عن الأوساط العلمية والثقافية فترة من الزمن مما يؤكد للجميع ضرورة إعمال العقل والحكمة في شؤننا الحياتية وعدم الركون إلى توجهات معينة قد يكون المحرك الحقيقي لها آلة الربح والخسارة والمال والاقتصاد، وقد يقول قائل وكيف لنا أن نقول بعد قول الأطباء وخصوصاً في الغرب الذين أكدوا نفع النبيذ الأحمر (الكاذب)، وهنا أقول إن الأمر هين والخيار سهل فكل ما يتعارض مع توجيهات الوحيين مَفسَدة ومن أراد الراحة العظمى والجادة التي لا تخطئ فعليه بإراحة العقل في حال التضارب في القول في أمر ما واعتباره غيبياً، والمولى عز وجل افتتح الذكر الحكيم بعد التأكيد على انتفاء الخطأ والسهو والريبة من القرآن وانتقل فوراً إلى ذكر الإيمان بالغيبيات قبل ذكر إقامة الصلاة تعظيماً لشأن الإيمان بما غاب عن العقل البشري المحدود حيث يقول المولى عز وجل وقوله الحق (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) وهكذا يجب أن يكون مسلكنا في كل الأمور إن أردنا صلاحاً وفلاحاً، فدائرة المعارف تتسع باتساع العلوم والحجة العلمية تتسع باتساع الزمن، ولكن يبقى القول الحق صالحاً لكل زمان ومكان، وصحة القلوب في طمأنينتها وطمأنينتها في ذكره سبحانه أما شحذها بالنبيذ الأحمر فهو أكذوبة آن لها أن تُفضَح.