حسن الشمائل والصفات
كانا رحمهما الله ناشطين كلٌ في تخصصه ودعوته، فكانا حافظين للقرآن، مربّين للأطفال، مجتهدين في طلب العلم، الإبتسامة لا تفارق محياهما، فهذا مروان صاحب الإبتسامة الجذابة التي تخترق القلوب بعذوبتها ورونقها، كما أن عبدالحميد لا تقل إبتسامته العفيفه الهادئة البريئة عن روعة إبتسامة أخيه.
كانا بارّين بأهلهما، متواصلين مع الأرحام، يسئلون دائماً عن الأصحاب والأحباب، يسعون في نشر الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تقول والدة عبدالحميد حفظها الله: (( كان دائماً ما يأتي ويقبّل يدي ورأسي ورجلي، ويقول لي بحنانٍ ما أجملك يا أمّاه، ما أطيب رائحتك، يا لجمال مظهرك وزينتك )).
كما يروي عنه أحد إخوانه: (( كنت دائماً ما أراه في الأنشطة والرحلات قائماً أو ساجداً لله مناجياً له في السر، من غير أن يراه أحد، ومات وهو لا يعلم أني كنت أراقبه وأراه. كما أنه كان لا يفرّط في صيام الأثنين والخميس والأيام البيض، ويصرّ في كل مرة أن يأتي بعلبة التمر، ويطعم الشباب ويشاركهما في الأجر )).
وهذا مروان الشاب الخلوق، حسن العشرة، منظّم الهيئة، صادق الدعوة، طيّب الكلم، قليل الكلام كثير الفعال، مربّي أجيال القرآن في مركز اقرأ وارتق، القائم على راحتهم وحاجاتهم.
طيف الذكريات
يقول أحد الأخوة عن عبدالحميد: (( كان رحمه الله في عمرة الصيف الماضي يسعى لأن يأتي جميع الطلبة معنا، فعلم أن البعض لا يستطيع أن يدفع الاشتراك، فدفع من ماله الخاص في سبيل أن يأتوا جميعاً ويشاركوا بعضهم البعض في كسب الأجر والمثوبة، وكان يعلّمنا مناسك العمرة كما وكأن الرسول بيننا، فهو المعلّم والموجّه والقائد والأخ والصديق )).
وكما أني أذكر تلك الاجتماعات التي جمعتني بأخي الحبيب مروان رحمه الله أثناء إعدادنا وتجهيزنا للبرامج الثقافية والتربوية لمخيم المرحلة الإبتدائية في كل عام، و لا أنس ذلك الموقف، عندما كنا نناقش ونطرح عنواناً للمخيم، فاقترح أن يكون تحت شعار (( قطار الحياة )) ونتكلم فيه عن حياة الإنسان وكيف أنه يبدأ كطفل ثم كصبي فشاب فرجل ثم يكبر في السن فيموت فيلاقي ربه على أحسن حال.
ولا أنس مدى قدرته على التفاعل والتأثير في الطلبة وجدّه واجتهاده في الحصول على أعلى الدرجات في التقييم والوصول إلي المراكز الأولى ليفرح بإنجازه ويدخل السرور على قلب إخوانه الصغار.
ختامها مسك والاستعداد ليوم الرحيل
بعد وفاة عبدالحميد رحمه الله، وجدت والدته في هاتفه مقطع بصوته العذب وهو يقرأ آيات تصف حال الشهداء، كما أنها وجدت نشيدة تتكلم عن فقد الأبناء والأحباب.
وقبل وفاته بثلاثة أيام، رآه أحد إخوانه بعد صلاة العصر وهو راجعٌ من العمل، فقال له: (( كفى عليك هذا التعب، استرح قليلاً ))، وكان يريد الذهاب للجامعة، فرد عليه قائلاً وهو يبتسم: (( أنا شبعت .. أنا شبعت .. أنا شبعت )) رددها ثلاثاً.
وقبل أيامٍ من وفاتهم، كتب مروان مقالاً رائعاً يصف فيه حال الدنيا، ومدى تأثير الذنوب علينا وكيفية الخلاص منها، وتحدث في مقاله عن حسن الخاتمة والعمل الصالح، وتطرق إلى آية الكرسي وأنها ضمان دخول المسلم للجنة إذا قرأها دبر كل صلاة، والنجاة من النار بقراءة سورة الملك، وفضل المحافظة على السنن الرواتب، ورسالة توّج فيها مقاله بحال شباب اليوم وكيف ضيّعوا أوقاتهم في الأسواق والمجمعات.
كما أنهما كانا قبل وقوع الحادث يخطّطان في إقامة مشروع لكفالة الأيتام، فهنيئاً لهما ما قدّما.
مبشرات ورؤى
بعد صلاة العصر قبيل الصلاة على الفقيدين، سيطرت الغفوة على أحد المصلين، فرأى رجلاً يشق الصفوف ومعه مجموعة تشع منهم الأنوار والبياض، فاستيقض من غفوته مع تكبيرة صلاة الجنازة، فلمّا روى الحلم على أحد المشايخ قال له أن هؤلاء هم الملائمة جاءوا يشاركون في دفنهما.
وهذه داعية سعودية ترى في منامها ليلة الحادث أن أناساً يضربون الدفوف في الجنة، فقالت لهم لمن تضربون الدفوف، فقالوا لشابيّن سيأتيان إلينا من البحرين، وهما عبدالحميد ومروان.
كما أن رجلاً رأى في المنام قبرين، فسأل لمن هذان القبران، فقيل للشهيدين عبدالحميد ومروان.
ويحكي أحدهم أنه رأى رجلاً يخطب على المنبر والنور يشعّ من وجهه، فلما اقترب منه فإذا هو عبدالحميد.
وختاماً تلك الرؤيا التي شاهد فيها أحد أصدقاء عبدالحميد صديقه والنور على محياه وعلامات الصلاح والإبتسامة مشرقةً على وجهه فيقول له إني وصلت للمكان الذي أريد.
ختاماً
رحمكما الله يا حافظا القرآن، ويا خير صحب الأرض، كنتما نعم الدعاة والمصلحين في زمن الهوان والضعف، أبكيتم الجموع برحيلكم، أشفقن النساء على فقدكم، أتعبتم من بعدكم بحسن أخلاقكم وجميل صنعكم.
فهذه عبرٌ لمن أراد العبر، ووقفاتٌ لمن ضيّع المهل، ومبشراتٌ بحسن العمل، ونداءٌ لقلوبٍ عاشت في الخوف والوجل.
فنسأل الله أن يغفر لكم، ويعفو عنكم ويصفح عن سيئاتكم، ويبدلكم داراً خيراً من داركم، ويرزقكم النظر إلى وجهه الكريم، والجلوس مع نبيه الأمين وصحبه أجمين، والشرب من حوضه الكريم، وأن يجمعنا بكم في جنة الخلد ودار النعيم، اللهم آمين.
بقلم: أحمد محمود الساعي