قبل سُنَيّاتٍ معدودات كنت معلمة بدار تحفيظ، لدي 12 طالبة ما بين سن 8 إلى 15، وطفلة هذه القصة ليست من طالباتي، عمرها تقريبا 9 سنوات، حين يرتفع أذان المغرب يُعلَن معه انتهاء الدوام، فتخرج الطالبات للساحة، لم يكن أمر الصلاة منظما للجميع؛ حيث يصعب أن تصلي جميع الفتيات بمختلف أعمارهن في وقت واحد وفي مكان واحد، المهم في الأمر أني حين كنت أخرج للساحة كان الأغلب منهن تذهب للمقصف لتسد جوعها ثم تصلي، لكن لفت نظري لعدة أيام متوالية هذه الطالبة، كنت ألاحظها أول ما تخرج للساحة تتخذ ركنا منه بعيدا عن الزحام، وتلف خمارها بطريقة طفولية، ثم تشرع في صلاة المغرب، ثم تقول الأذكار وأرى أصابعها وهي تعد التسبيح والتكبير فيأخذ بلبي هذا المشهد، ثم تقوم وتأتي بنافلة المغرب، ولفت انتباهي أن لديها أخت تكبرها بسنتين تلعب وتمرح ثم تصلي، أسرتني الطفلة لحرصها، وباتت في ذهني كشعلة أريد أن يزيد الله نورَها وبهاءَها، ولا يمكن أن أجعل هذا الموقف يمر ويتلاشى، فألهمني الله أن أكافئها تشجيعا لها ولتكون قدوة لزميلاتها، بل لنا جميعا معشر الكبار.
بعد عدة أيام من مراقبتي لها وفي بداية الدوام وحال اصطفاف الطالبات، أخذت اللاقط وبدأت بمقدمة يسيرة عن فضل الاهتمام بالصلاة أول وقتها، وأن هذا العمل من أحب الأعمال إلى الله تعالى، ثم أفصحت للجميع عن قصة هذه الطالبة، ثم أعلنت اسمها وناديتها للتقدم لأمنحها هدية مناسبة للمقام، وكانت الهدية مِلاءةٍ للصلاة وردية اللون تلائم الصغيرات، ففرحت الطفلة أيَّ فرح وتلعثمت شفتاها الصغيرتان عن البوح وأطرقت برأسها خجلا.
العجيب في الأمر أنه في اليوم التالي وصلت للدار وبدأت أستعد للدخول للفصل فحين خطوت أولى خطواتي في الساحة أتفاجأ بالطفلة تمشي مسرعة –وابتسامتها تنثر أريجا حولي- لترمي نفسها بين يدي مبدية سرورها وفرحها، فأمسكتُ بيديها الناعمتين وعينيّ في عينيها ولم أتكلم، فأشارت بيدها أن اقتربي أريد أن أخبرك شيئا، فدونتُ رأسي منها فهمستْ في أذني: أحبكِ. ثم هرولتْ سريعا إلى فصلها ولم تمكنني أن أقول شيئا.
هم هكذا الصغار براءة ووضوح ليتنا نكون مثلهم.