جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ( )
نسبه وقبيلته
هو
جعفر بن
محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب y، يكنى بأبي عبد الله. وأمه هي: فروة بنت القاسم بن
محمد بن أبي بكر الصديق وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ولهذا كان يقول: ولدني أبو بكر الصديق مرتين، وكان مولده سنة ثمانين من الهجرة، سنة سيل الجحاف الذي ذهب بالحجاج من مكة.
عده البعض في أتباع التابعين، إلا أنه من الظاهر قد رأى سهل بن سعد وغيره من الصحابة، وروى عن أبيه، وعن عروة بن الزبير وعطاءٍ ونافع والزهري وابن المنكدر وله أيضاً عن عبيد بن أبي رافع.
وأخذ عنه أبو حنيفة وابن جريج وشعبة والسيانان ومالك ووهيب وحاتم بن إسماعيل ويحيى القطان وخلق غيرهم كثيرون. وروى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
أهم ملامح شخصيته
غزارة علمه وفقهه
جاء في سير الأعلام قال الخليل بن أحمد سمعت أبو سفيان الثوري يقول: قدمت مكة فإذا أنا بأبي عبد الله
جعفر بن
محمد قد أناخ بالأبطح فقلت: يا ابن رسول الله، لم جعل الموقف من وراء الحرم، ولم يصير في المشعر الحرام؟ فقال: الكعبة بيت الله، والحرم حجابة، والموقف بابه، فلما قصده الوافدون أوقفهم بالباب يتضرعون، فلما أذن لهم في الدخول أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة، فلما نظر إلى كثرة تضرعهم وطول اجتهادهم رحمهم، فلما رحمهم أمرهم بتقريب قربانهم، فلما قربوا قربانهم وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابًا بينه وبينهم أمرهم بزيارة بيته على طهارة. قال: فلم كره الصوم أيام التشريق؟ قال: لأنهم في ضيافة الله ولا يجب على الضيف أن يصوم عند من أضافه. قلت: جعلت فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة وهي خرق لا تنقع شيئًا؟ قال: ذاك مثل رجل بينه وبين رجل جرم فهو يتعلق به ويطوف حوله رجاء أن يهب له ذلك ذاك الجرم.
وسُئل الإمام أبو حنيفة عن أفقه من رأى فقال: ما رأيت أحدًا أفقه من
جعفر بن محمد؛ وذلك لما أقدمه أبو
جعفر المنصور الحيرة بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة، إن الناس قد فتنوا بجعفر بن
محمد فهيئ له من مسائلك الصعاب، فهيأت له أربعين مسألة، ثم بعث إلي أبو
جعفر فأتيته بالحيرة فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر، فسلمت وأذن لي فجلست ثم التفت إلى
جعفر فقال: يا أبا عبد الله، تعرف هذا؟ قال: نعم هذا أبو حنيفة ثم أتبعها قد أتانا ثم قال: يا أبا حنيفة هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله، وابتدأت أسأله وكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا، فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة، ثم قال أبو حنيفة أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
بذله للنصيحة
يقول الإمام مالك بن أنس: قال له سفيان: لا أقوم حتى تحدثني، قال جعفر: أما إني أحدثك وما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان، إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها؛ فإن الله قال في كتابه: {
لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار؛ فإن الله قال في كتابه:{
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} يعني في الدنيا {
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} في الآخرة. يا سفيان، إذا حزبك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة فعقد سفيان بيده وقال: ثلاث وأي ثلاث قال جعفر: عقلها والله أبو عبد الله ولينفعه الله بها.
الكرم
جاء في تهذيب سير الأعلام عن هياج بن بسطام قال: كان
جعفر بن
محمد يُطعم حتى لا يبقى لعياله شيء.
البلاغة و حسن المنطق والبيان والأدب مع الله
جاء في سير أعلام النبلاء عن الفضل بن الربيع عن أبيه قال: دعاني المنصور فقال: إن جعفرًا يلحد في سلطاني قتلني الله، إن لم أقتله فأتيته فقلت: أجب أمير المؤمنين فتطهر ولبس ثيابا فأقبلت به فاستأذنت له فقال: أدخله قتلني الله إن لم أقتله، فلما نظر إليه مقبلاً قام من مجلسه فتلقاه وقال: مرحبًا بالنقي الساحة البريء من الدغل والخيانة، أخي وابن عمي، فأقعده معه على سريره وأقبل عليه بوجهه وسأله حاله ثم قال: سلني حاجتك فقال: أهل مكة والمدينة قد تأخر عطائهم فتأمر لهم به قال: أفعل ثم قال: يا جارية، ائتني بالتحفة فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلفه بيده وانصرف؛ فاتبعته فقلت: يا ابن رسول الله، أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك فكان منه ما رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول فما هو؟ قال: قلت: اللهم أحرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام واحفظني بقدرتك علي ّ ولا تهلكني وأنت رجائي رب كم من نعمة أنعمت بها عليّ قل لك عندي شكرها؟ وكم من بلية ابتليتني بها قل لها عندك صبري؟ فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدًا، ويا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدًا، أعني على ديني بدنيا وعلى آخرتي بتقوى، واحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما خطرت، يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة اغفر لي مالا يضرك، وأعطني مالا ينقصك، يا وهاب أسألك فرجًا قريبًا وصبرًا جميلاً والعافية من جميع البلايا وشكر العافية.
الحب الشديد لأبي بكر وعمر وبغض من يبغضهما
جاء في تهذيب سير الأعلام "عن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا
جعفر وابنه جعفرًا عن أبي بكر وعمر فقال: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدى ثم قال جعفر: يا سالم أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي لا نالتني شفاعة
محمد يوم القيامة، لم أكن أتولهما وأبرأ من عدوهما".
كان
جعفر إذا أخذت منه العفو لم يكن به بأس وإذا حملته حمل على نفسه
من كلماته
يقول
جعفر بن محمد: إذا بلغك عن أخيك ما يسوؤك فلا تغتم فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها.
وكان يقول: إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب وتورث النفاق.
وكان يقول: الصلاة قربان كل تقي، والحج جهاد كل ضعيف، وزكاة البدن الصيام، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، واستنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا أمولاكم بالزكاة، وما عال من اقتصد، والتقدير نصف العيش وقلة العيال اليسارين، ومن أحزن والديه فقد عقهما، ومن ضرب بيده على فخذه عند مصيبة فقد حبط أجره، والصنيعة لا تكون صنيعة لا عند ذي حسب أو دين والله ينزل الصبر على قدر المصيبة، وينزل الرزق على قدر المؤنة، ومن قدر معيشته رزقه الله، ومن بذر معيشته حرمه الله.
ومن كلامه عن الأخوة والصداقة: لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كان فيه شيء من هذه الخصال أو بعضها فانسبه إلى الصداقة ثم حدها فقال: أول حدودها أن تكون سريرته وعلانيته لك سواء.
والثانية أن يرى شينك شينه وزينك زينه.
و الثالثة لا يغيره مال ولا ولاية.
الرابعة لا يمنعك شيئًا تناله يده.
والخامسة وهي تجمع هذه الخصال وهي أن لا يسلمك عند النكبات.
قالوا عنه
قال عنه ابن معين: ثقة مأمون.
وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسأل عن مثله.
وقال ابن حبان: من سادات أهل البيت وعباد أتباع التابعين وعلماء أهل المدينة.
الوفاة
مات سنة ثمان وأربعين ومائة وهو بن ثمان وستين سنة.
المصادر
الثقات لابن حبان - طبقات بن خياط - تهذيب الكمال - التاريخ الكبير - إسعاف المبطأ برجال الموطأ - الوافي بالوفيات.