درس لا ينسى
قصة واقعية
هذه القصة وقعت حقيقة لابنة صديقة لي كانت تعيش في فرنسا , أذكرها كما أخبرتني بها الأم في رسالة خاصة .
يتسلل ضجيجهن إلى أذني , وأنا غارقة في أعمال المنزل , ورغم انزعاجي من ذلك إلا أنني أشعر بسعادة في أعماق قلبي من مرحهن وسعادتهن , وفجأة علا الضجيج ليتحول إلى صرخات استغاثة .
رانيا ملقاة على الأرض , تتنفس بصعوبة بالغة , لقد سقطت من السرير ذو الطابقين على الأرض , أذهلني الموقف , قلت لابد أن السقوط أثر على رئتيها , أسرعنا بها إلى المستشفى , وبعد ساعات من الانتظار الممل , خرج الطبيب ليؤكد لنا أن من حسن حظنا وحظ رانيا أنها سقطت , وأحضرناها إلى المستشفى , فأثناء التصوير التلفزيوني اتضح أنها مصابة بورم سرطاني في إحدى كليتيها , أما السقوط ذاته – الحمد لله – لم تتأثر منه , وأنه لابد من إدخالها المستشفى لتخضع للفحوص الطبية لذلك الورم .
يا لهول الصدمة !
لم أتمالك نفسي . . بكيت بحرقة , وبكيت .. وبكيت , فهي ابنتي التي لم تتجاوز العاشرة , الحبيبة الغالية , المطيعة لربها , البارة بي وبوالدها . وعندما أخبرها الطبيب بكت بحرقة تقطعت منها أوتار قلبي , أخذها الطبيب من يديها ليشرح لها الأمر , ولشدة انهياري أمرنا بالخروج من الغرفة وأبقاها معه لوحدها . لكنها فجأة تبسمت , وقالت : الحمد لله .
تعجب الطبيب من ابتسامتها , وكلا مها , وطلب منها تفسيراً لذلك .
فقالت له :
إن الله هو الذي كتب علي المرض , وأنا على يقين من شفائه لي .
ولآخر يوم لها في المستشفى كان الصبر سلاحها . والجميع يراقبها باستغراب .
ثم نقلوها إلى مستشفى خاص بالأورام , وبعد التحاليل , والتصوير , تأكدوا من موقع الورم وحجمه , وقرروا فوراً إجراء عملية استئصال للكلية .
طلبت منهم أن يستأصلوا الورم فقط , ويتركوا باقي الكلية , فقالوا : إن الورم قد أتلف نصف الكلية , وبقاء النصف الآخر يعرضها لخطر شديد . فسلمت أمري لربي .
كان يوما عصيباً ذلك اليوم , لم أفارق غرفة الانتظار أما صالة العمليات , ولم أترك المصحف أبداً – كان معي أبي وجميع أخوتي – رزقنا الله – تعالى – الصبر لتصبرها هي , إلا أبي فقد كان يبكي بأعلى صوته , فرانيا حبيبته الأولى , وحفيدته التي لا تفارق حضنه في أي مكان نجتمع فيه .
وبعد العملية , ما أعجب حالها !
تدور في المستشفى ’ تزور الآخرين , وتواسيهم , وتصبرهم , وترسم لهم – لأنها تحب الرسم – وقد نست آلامها وهي تجر معها جرحاً طوله اثنى عشر سنتميتر تقريباً .
زاد تعلقي بها , أحببتها أكثر – لأنني تعلمت منها الصبر – وأحبها الطبيب الجراح الفرنسي, ومعاونه المسلم , وكذلك طبيبة التخدير المسلمة التي حين خرجت رانيا من غرفة العمليات قالت لأبي : لم أر قط مثل ابنتكم , لأخر لحظة قبل التخدير وهي تذكر الله , وتكرر قول : (
وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً )
و
الممرضة العربية بكت عندما رأت رانيا تتيمم , لتصلي على فراشها إيماءً ثاني أيام العملية, بكت وقالت :
ويحي أنا هنا نسيت اسم الصلاة , وأتسمى بالمسلمة .
كم كانت سعادتي كبيرة , ورأيت أن المتاعب التي مررنا بها قد صقلت عزيمتها , وزادت إيمانها , وتعلمت منها درس لا ينسى . فالحمد لله حتى يرضى , والحمد لله على حمدنا إياه .
هي الآن تحت المراقبة الطبية , فكل أربعة أسابيع يتم فحص شامل كامل لها للتأكد من عدم وجود أي خطر أو مضاعفات , وبعد كل فحص يقولون لنا : بإمكانكم الرجوع بها إلى البيت ليس لديها أي شيء .