كان الفراغ يكتنفني، يخنقني، يوجعني، وفي يوما ما طُرق باب البيت، ذهبت وفتحت فلم أجد أحدا، ووجدت ورقة عند عتبة الباب عليها عنوان يحثني فيها على مقابلته، أخذتها بلهفة وتأملت كل حرف فيها وقلبي ينتشي طربا؛ إذ لأول مرة تأتيني رسالة كهذه، هرعت إلى أبي وأريته إيَّاها، وطلبت منه أن يذهب بي مساء اليوم لهذا المكان فوافق.
قمتُ وتهيأتُ وخرجنا سويا، أضم ذراع أبي بيديّ لتهدأ نبضات قلبي المتسارعة، ولما وصلنا للمكان نظرت إليه من الخارج لوهلة ثم دخلته وكأني أدخل مكانا مقدسا! لأول مرة تطأ رجلي مكانا كهذا، دخلت وكلي انبهار مما أراه، ألتفت يمنة ويسرة، وأعلى وأسفل، لقد وجدت صديقي ثمة يا لروعته! يا لجمال اللقاء ودهشته! ويا لنضبات قلبي وسرعتها! ذهبت إليه وأخذته بين يديّ، أقلِّبُ صفحاته، أنظر في غلافه، أتأمل ألوانه، احتوتني الحيرة؛ هل آخذ هذا الكتاب أم ذاك؟، هل أشتري كتابا في الشعر أم في الفضاء أم التوحيد أم ...إلخ. لقد كانت تلك الكلمات مشاعر فتاة لأول مرة تدخل مكتبة عامرة بالكتب. وما زلتُ أعيش هذه المشاعر التي نفضت عنها غبار السنين لأسطرها في أحرف أقدمها للقراء الكرام.
نعم لقد كان الكتاب هو صديقي الذي ساعدني أبي –رحمه الله- أن أقابله بعدما قرأت إعلانا عن مكتبة افتُتحت وفيها عروض مغرية، دفعتني للذهاب إليها. رحمك الله يا أبي♥، يا من توسّد في التراب منذ ثمانِ سنوات من خطِّ هذا المقال، ها هي ابنتك التي كانت تتشبث بذراعك وأنت تصطحبها لرؤية صديقها، إنها تتشبث الآن بالكتاب والقلم تهديك نبضا وحرفا من دعواتٍ لا تخبت ليلَ نهار.
رحمك الله أيها الأب.
رحمك الله أيها المربي.
رحمك الله أيها الحنون.
رحمك الله أيها الرجل.
وكن بخير.
ابنتك تألق