25-11-13, 02:26 PM | المشاركة رقم: 17 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ابو معاذ السُنّي
المنتدى :
بيت القصـص والعبـــــــر
بسم الله الرحمن الرحيم الحلقة التّاسعة منحتنا السفارة السعودية في لندن خمسة عشر يوما كإجازة نهاية البعثة وبعدها يجب علينا مباشرة اعمالنا . وقد قضيتُ منها 10 أيام في جنيف . وحين وصولي الى مطار الرياض عصراً وجدتُ انّ جمعاً غفيرا من الإخوة والأصدقاء والزّملاء في انتظاري في أرض المطار . والحمد لله بأني قد كنتُ محبوباً في عملي وبين اصدقائي وكنتُ طريفاً اجيد النّكتة وكثير المزح والمداعبة لأصدقائي , إلاّ أن ذلك الجم الكبير من الاصدقاء قد فاجأني . بعد السلام عليهم , شاهدتُ وجوماً يعلو وجوههم . وكان من بينهم صديقاً يحبني كثيرا واحبّه فلم يستطع صبرا فانفجرَ باكيا . فعرفتُ أن كارثةً ما تنتظرني .... يا إلهي ... ما الخطب ... ماذا هناك يا ترى ...!!؟؟ فأخبروني أن أخي الصغير ( حسن ) قد توفيَّ الى رحمة الله غَرَقاً منذ شهر ونصف ...!!!!! حسبي الله ونعم الوكيل ..!! لقد قضيتُ كل اجازتي في سويسرا ألْهث وراء هذه الدنيا وابحث عن حياة رخيصة تعيسة ... بينما أخي حسن الذي ربيته بنفسي وهو طفل في السنة الثانية من عمره ... تربّى على يديّ ... وكنتُ بمثابة امّه وابيه واخيه , وكان اكثر اخوتي شبها بي في صورته وحركاته ... رحمك الله يا حسن وقع الخبر عليّ اشدّ من وقع الحسام . وقد اصابني من تأنيب الضمير والنّدم ما لم يصبني حتى الآن . فقد ذهبتُ الى جنيف بنما اخي قد توفيّ منذ أكثر من شهر . لم يخبروني بموته لأن ذلك الوقت كان وقتَ اختباراتي النّهائية فخافوا ان يؤثّر ذلك سلباً على دراستي . وكنت في الأيام الأخيرة للدراسة كل ما اتصلتُ على اخوتي هنا في السعوديّة واطلب منهم أن يكلّمني أخي حسن فيعتذرون بأعذار مختلفة فيقولون لي , إما انه نائم أو في السوق أو في حفل او في محاضرة كانوا يخبئون عني خبر وفاته . لكي لا أتأثّر ..... ولا تتأثّر دراستي ...!!!!! بينما أنا مشغول فقط بنفسي إذْ ذهبتُ الى سويسرا .!!! وهذه هي النقطة التي تؤلمني اكثر وجعلتني اكره حتى نفسي واحتقرها . يا للخزي ويا للحسرة والنّدامة الحمد لله على كل الأحوال . بقيتُ تلك الليلة الكئيبة في منزل صديق لي . وبعد أن تفرّق الأصدقاء وذهب الجمع من حولي , تركني صديقي هذا في المجلس حيث هيأ لي فِراشا لأنام عليه وذهب هو لينام في غرفة نومه . وبعد ان هدأ كل شيء اختلستُ النظر الى مقدّمة المجلس فأبصرتُ مسجِّلاً ومن حوله اشرطة كاسيت كثيرة فاخترت واحدا منها عشوائياً وأدرجته في المسجّل , وإذا به الشيخ كشك رحمه الله , بصوته الجهوري وروعة إلْقائه , فلامس ذلك جراحاً عندي فأصغيتُ اليه وانصتُ له . وبكل هدوء تسلّل كلامه الى قلبي وناجى ما يجول بين جوانحي , فهدأتْ مشاعري واستأنستُ بما قاله الشيخ . فقد كان رحمه الله في ذلك الشريط يحث على اللجوء الى الله ولا زلتُ أذكر حتى الآن بعض ما جاء في ذلك الشريط فقد كان يقول : (( إذا اغلِقتْ جميع الأبواب في وجهك فقل يا الله , وإذا تنكّر لك الخلق فقل يا الله وإذا اظلمت الدنيا في عينيك فقل يا الله وإذا ضاقت عليك الدنيا فقل يا الله ... يا الله ... يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله )) فخفضتُ صوت المسجل وبقيت اكرر تلك الكلمة العظيمة . يا الله يا الله كنتُ اقولها بصوت خافت خشية ان يسمعني صاحب البيت وأهله بقيتُ اكررها مصحوبة بحشرجة في الصوت فقد كانت العبرة تخنقني والدموع تنساب من عينيّ متّصلة الى موضع لحيتي ... وأنا اكرر يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله .... يااااااااااااااااااااااا الله هدأت اعصابي ورحمني الله رحمة من عنده حيث ربط على قلبي فلم أجزع ولم اسخط ولم اتفوّه بشيء يخرج عن الأدب مع الله ولم اتصرّف بشيء ينافي الإيمان بالقضاء والقدر . انزل الله عليّ صبرا لم أكن اتوقّعه .... ولا اظن اني استحقّه ولستٌ اهلا لكل ذلك من الله سبحانه وتعالى ولكنّها رحمة الله ومنّه وكرمُه وجودُه وحلْمُه ولطفه وعطفه يفيض بها حتى على العصاه من أمثالي وعلى منهم على شاكلتي من الجاحدين والمعرضين . لا إله إلاّ هو ربّ العرش العظيم . لم استطع النوم حتى أذّن للفجر ... ولكن قبل أن استطرد في الحديث فأنسى سؤالاً أودّ إلقائه عليكم .. ورغم بساطته إلاّ أني أراه هامّاً وهو : هل اختياري لشريط الشيخ كشك كان محض مصادفة .!!!؟؟؟ أما أنا فلا أعتقد انها كانت صدفة .!!! فأنا لم أكن اعرف الشيخ من قبل ولم اسمع به إلا تلك اللحظة وهذا يدلّكم على اني لا اعرف اسماء الاشرطة لكي اختار منها ما يناسب المقام . ثم ان الغرفة مظلمة قليلاً فلم اكن استطيع قراءة عنوان المحاضرات . وأخيراً فإن إصرار صديقي ذاك وإلحاحه على النوم عنده وموافقتي على ذلك كان ذلك غريباً , فصديقي ذاك لم يكن اقرب اصدقائي وكان يسكن مع اهله ( متزوجا ) بينما باقي اصدقائي عزاب وهم كُثُر وكان الاجدر بي ان اسكن عند واحد منهم بدلاً من السكن مع شخص متأهل ...... فكّر جيّدا . فهذا قد شغلني فيما بعد واحببتُ ان تشاركني ايها القارئ فيه . على كل الاحوال ذهبتُ الى المدينة التي بها اخوتي وهي خميس مشيط وكان الجو كئيبا بكل ما تعنيه الكلمة . كان كل ما نظر احد منّا في وجه اخيه انفجر بكاءً . ولكن رحمة الله واسعة ... واسعة جداً ويبدّل الله الاحوال كيف يشاء وبطريقة لا نعلمها نحن البشر فله الحكمة البالغة . وفي احدى الليالي وبعد أنْ أرخى الليل ستاره وكفّت الحركة واخلد الناس الى النوم , اشتدّت عليّ الذكريات وذهبت بي مخيّلتي الى طفولة أخي فتسللتُ الى دولاب أخي حسن الذي كان يضع فيه ملابسه وأمتعته , أريد أن اشمّ رائحته , أريد ان اعانق شيئا من ذكرياته , فوجدتُ حقيبته المدرسيّة ففتحتها , انظر الى خطّه وأتمعّن في خربشته على اغلفة الكتب والدفاتر . وبينما انا كذلك واذا بي اسمع باب حجرة أخي الكبير ينفتح فخشيتُ ان يلاحظني فأنكأ جراحه التي بدأت تلتئم قليلاً , فأخذتُ كتاباً من الحقيبة واعدتها لمكانها بحذر , فاذا سألني أخي فسأقول له اني ابحث عن كتاب لأتسلّى به , فهو يعرف اني احب القراءة , ثم اسرعتُ الى سريري . وفعلاً حصل ما توقّعته فقد سمع اخي جلبتي وجاء يسألني وكان جوابي ما اخبرتكم به اعلاه . وليس هذا هو القصد من الإتيان بهذه التفاصيل الصغيرة . إن القصد اكبر بكثير من ذلك وله علاقة بما سيأتي بعد حين من الزمن . ان القصد يكمن في أن ذاك الكتاب الذي اخذته دون ان أقرأ عنوانه , لقد كان كتابا يتكلّم عن حياة الصحابة ...!!!! يا ترى اختياري لذلك الكتاب كان أيضاً صدفة ....!!!!؟؟؟؟؟ أوّل ما فتحت ذلك الكتاب كان على منتصف قصّة الصحابي ابي بكر الصديق . فأعجبني اسلوب الكاتب وطريقة سرده للقصّة وقد كنت اعرف القصة من قبل , فعدتُ الى أوّل القصّة وبدأتُ القراءة ... وقد هالني كثيراً إيمان ابي بكر فقد كان ايمانه قويا ثابتا لا يتزعزع . وسأذكر لكم فقط قوله عندما يذكرون له كُفّار قريش ان الرسول عليه الصلاة والسلام قال او فعل شيئا غريباً لا يتخيّله العقل آنِذاك , مثل قصّة الإسراء والمعراج . فقد قالوا له إنّ صاحبك يقول انه ذهب الى الأقصى ثم عاد من ليلته فكما يعلم الكثير أنه ردّ عليهم في ثبات ويقين وقال لهم ... ( إن كان محمداً قال ذلك فقد صدق ) يا إلهي أيّ إيمانٍ هذا ...!!!؟؟؟ إنه ايمان قوي , إيمان واثق وراسخ رسوخ الجبال الشم ..!!!!! استعجبتُ من هذه القوة الإيمانية .. بينما انا قرأتُ صفحتين او ثلاث فانهارت قوتّي كلها وذهب إيماني مثل رماد ساقته ريح عاصف . ثم ذهبتُ الى قصّة عمّار بن ياسر وآل ياسر جميعاً وكذلك بلال يُسْحَب على الارض وهو يقول أحد احد ..... وغيرهم من المهاجرين والأنصار المهم ان تلك هي بداية حبي للصحابة . أجمعين . ذلك كان السبب وراء سرد هذا الجزء من الكلام . وهناك فائدة استفدتها من ذلك الكتاب وهو اني تذكرتُ فلمي ( عمر المختار والرسالة ) التي كنتُ قد شاهدتهما في بريطانيا . وفي عصر اليوم التالي ذكرتُ الفلمين لأخي وكان لدينا فيديو فذهب الى متجر لاشرطة الفيديو وكم كانت المفاجأة حينما جاء أخي بالشريطين وقد تمّتْ دبلجة فلم ( عمر المختار ) الى اللغة العربيّة فقد شاهدتُه فقط باللغة الانجليزيّة وقد بدت الفلمان افضل مما شاهدتهما من قبل . فتسمّرنا امام شاشة التلفزيون اكثر من ثلاث ساعات لم يحرّك احدٌ منّا ساكناً . ثم شاهدنا الفلمين في اليوم التالي ثم اجتمع معنا بعض الاصدقاء والجيران في اليوم الثالث للمشاهدة . وهنا ايضا استفدتُ مرتين مرّة تعلّمتُ شيئا جديداً واضفتُ عنصرا جديداً الى معلوماتي , ومرّة بأني ساهمتُ في ذهاب بعض مظاهر الكآبة عن الاسرة وخاصّة اخوتي فقد صار للوفاة عندهم اكثر من شهر ونصف .. ولم تعد جديدة سوى عليّ ولذا حاولت التمثيل أمامهم وكنتُ اظهر لهم عدم حزني , فاذا خلا علي المكان فإني انهار بكاء وامتلئ حزناً . وهذا الكبت لعواطفي جعل المشكلة تطول معي بعض الوقت . ولكن لن أذكر بعد هذا شيئا واني اعتبر ان هذه الحلقة هي حلقة خاصّة بسرد مشاعري وبث حزني والبوح بعواطفي , فسامحوني على اشغالكم معي وسامحوني على الإطالة . والى المنعطف التالي في الحلقات القادمة إن شاء الله الى ذلك الحين اترككم في رعاية الله وحفظه .
التعديل الأخير تم بواسطة ابو معاذ السُنّي ; 25-11-13 الساعة 02:44 PM |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|