حوار بين قلبين
القلب الأبيض والقلب الأسود
********************************************8
القلب الأسود : إلى متى أيها المغفل وأنت مغفل وأحمق ؟ ..
وإلى متى وأنت لا تسكن غير أجساد الضعفاء ؟ ..
إلى متى وأنت تأتيك السهام بالأذى من الناس منكل جانب ولا تقابل المثل بالمثل ؟ ..
إلى متى تبقى هكذا مثل ريشة في مهب الريح تخاف اقتحام التجارب بحجة أن ذلك مخالف لتعاليم الدين ؟
القلب الأبيض : مهلاً أخي هداك الله .. لماذا كل هذا الهجوم الشرس علي ؟ ..
ولماذا كل هذه الأقوا لالتي تنبئ عن أشياء في أعماقك تجاهي وتجاه من أسكنهم ؟ ..
فإن كان لديك استعداد للحديث معي , والاستماع لدفاعي فأنا مستعد .. ولكن بشرط .
القلب الأسود : وأنا أيضاً لي شرط .. سأبدأ به قبلك ..
وهو أنه ليس معنى قبولي للحديث معك , وقبول شرطك هو تنازلي عما أنا عليه , فأنا القوي أبداً ,
لأنني سكنت أجساد الذين لا يضيع لهم حق ولو كان صغيراً , فإنهم يأخذونه أضعاف .. أضعاف , أنا أقوى منك ...
القلب الأبيض : أسأل الله أن يلهمك الرشد والصواب , وشرطي الذي اشترطه عليك هو أنني سأحدثك عن قول الله تعالى في وفيك , لترى أن كلام الله تعالى الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وصفني غير ما وصفتني به , وكذلك كلام نبيه خير شاهد بأنني لست كما تقول ,
فهل تقبل بذلك حكماً بيني وبينك؟
وإن كنت أقوى مني في تعاملك مع الناس , فأنا أثبت منك في حياتهم .
القلب الأسود : كلام الله للعبادة .. نصلي به , نتلوه لننال الحسنات ,
أما الحياة الاجتماعية فهي متطورة بتطور الحضارات , ومتقدمة بتقدم الأمم ,
وأنا وأنت علينا أن لا نقف عن السير مع التقدم , والرقي , والأخذ بكل ما هو جميل وجديد أياً كـان .
القلب الأبيض : أي حياة تلك التي تراها بعيدة عن كلام الله ؟ ..
وأي تقدم وحضارة تتكلم عنها ؟ ..
أهي تلك الحضارات التي تجعل الجاريسفك دم جاره , ويغتصب ماله وعرضه , ويشرده وأبناءه ؟ ..
كل ذلك يحدث بمرأى من أصحاب القلوب السوداء .. ومع ذلك يضحكون لمن فعل , ويصفقون ..
هل هذه الحياة هي منبع سعادتك ؟ ..
هل عذاب الآخرين هو سبب ابتسامتك ؟
القلب الأسود : لاتكن أحمق .. فمن يفعل ذلك فعله بقوته .. قوة جسده , وقوة عقله ..
وطالما أنه يحصل على ما يريد ليحقق لنفسه السعادة فهو حُـرّ .. والغاية تبرر الوسيلة .
القلب الأبيض : أي حرية تتكلم عنها في حياة لا يعرف أفرادها الرحمة؟ ..
وأي سعادة تذكرها عند من لا يعرف معنى الأخوة وحقها ؟ ..
وهم الذين قال الله تعالى عنهم : " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم " المائدة 49.
فأين القوة والسعادة .. لمن قال الله تعالى عنهم أنعدم طهارة قلوبهم سبب في شقائهم في الدنيا , وعذابهم في الآخرة ؟
القلب الأسود : لكن الحياة تفرض على من يعيش فيها أنه لابد من أن يتعامل مع الألفاظ بما يفرضه الواقع بين الناس , لا ما تفرضه الحقيقة ,
فالحقيقة تقول : تواضعوا .. لكن واقع من يريد تحقيق شهواته يعتبر ضعيفاً ..
والحقيقة تقول : فليساعد القوي الضعيف .. لكن النفس ترد من الأعماق كيف تعطي إنساناً مالك الذي تعبت في الحصول عليه ..
الحقيقة تقول : المجتمع يد واحدة .. لكن أعماق النفس تقول : أنت أولاً وأخيراً ..
فبالله عليك .. كيف أترك ما في أعماقي .. وما هو مزروع في ذاتي .. ويجري مع دمي ..
لنصائح وكلمات ينطق بها الضعفاء أمثالك ؟
القلب الأبيض : سأسألك سؤالاً .. ولأنك ذكي .. كما تقول أرجو أن تجيب عليه بسرعة ..
القلب الأسود : سل , وأنا مستعد
القلب الأبيض : لووقعت في مشكلة ما .. ولم تجد لها حلاً , من الذي سيقف معك في حلها ؟ ..
هل هم أمثالك .. الذين يتعاملون بما تمليه عليهم شهوات أنفسهم ؟ ..
أم أولئك الذين يخالفون هوى النفس , ويتبعون ما تقوله لهم الحقائق , وتأمرهم به آيات الكتاب الكريم
– الذي شط بك الضلال والشرك حتى قلت عنه أنه للعبادة فقط – وما أمرهم به نبي الرحمة ؟ .. أجـــــب ..
القلب الأسود : يطرق برأسه صامتـــاً ..
القلب الأبيض : ألم تقرأ في التاريخ .. كيف كانت صورةالحياة رائعة ..
تلك التي عاشها سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم أصحاب الرسول .. أليس هم الذين قال الله تعالى عنهم : " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان , ربنا ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا , ربنا إنك رءوف رحيم " الحشر10
القلب الأسود : يزيد في إطراق رأسه .. وما زال صامتــاً .
القلب الأبيض : ألاترى أنك لو وقعت في مشكلة لن تجد من يمد لك يده إلا الذين يحققون مبدأ حديث الرسول الذي رواه خادمه أنس بن مالك , أنه قال : ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) . رواه البخاري ومسلم .
هل يستطيع أحد في العالم كله زرع السعادة في القلوب , أو رسم الابتسامة على الشفاه إلا إذا حققهذا المبدأ ..
سواء أعترف به , أم لم يعترف ؟
القلب الأسود : مازال مطرقاً رأسه .. صــامتـاً .. لا يتكلم .
القلب الأبيض: : ألا تعلم أن الصفات التي اعتبرتها ضعفاً هي جواز المرور إلى جنات الخلود يوم القيامة ؟ ..
فالله تعالى يقول : " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " الشعراء 89 ..
وهو الذي قال : " وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد . هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ . من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب " ق 31 – 32 .
أحمد الله أنك مازلت في الحياة الدنيا , والفرصة أمامك لتغير حالك , فإنه لا يستقيم الإيمان حتى يستقيم القلب , ولا سعادة لمن لا إيمان في قلبه .
اللهم إنا نسألك قلوباً سليمة .. بيضاء نقيةً مستقيمةً