بـاب السيـرة النبـويـة يختص بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومأثره والدفاع عنه |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
01-11-11, 02:28 PM | المشاركة رقم: 16 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن من الآيات قد قدمنا أن خلق الأرض قبل خلق السماء، كما قال تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة: 29] .
وقال تعالى: { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [فصلت: 9-12] . وقال تعالى: { ءأنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [النازعات: 27-30] ، فإن الدحى غير الخلق، وهو بعد خلق السماء. وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } [الملك: 1-5] . وقال تعالى: { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا } [النبأ: 12-13] . وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا } [نوح: 15-16] . وقال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [الطلاق: 12] . وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } [الفرقان: 61-62] . وقال تعالى: { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [الصافات: 6-10] . وقال تعالى: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } [الحجر: 16-18] . وقال تعالى: { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُون } [الذاريات: 47] . وقال تعالى: { وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [الأنبياء 32-33] . وقال تعالى: { وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [يس: 37-40] . وقال تعالى: { فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [الأنعام: 96-97] . وقال تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54] . والآيات في هذا كثيرة جدًا، وقد تكلمنا على كل منها في التفسير. والمقصود: أنه تعالى يخبر عن خلق السموات وعظمة اتساعها، وارتفاعها، وأنها في غاية الحسن والبهاء، والكمال والسناء. كما قال تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ } [الذاريات: 7] ، أي الخلق الحسن.. وقال تعالى: { فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } [الملك: 3-4] . أي: خاسئًا عن أن يرى فيها نقصًا أو خللًا، وهو حسير أي كليل ضعيف. ولو نظر حتى يعي ويكل ويضعف لما اطلع على نقص فيها ولا عيب، لأنه تعالى قد أحكم خلقها وزين بالكواكب أفقها، كما قال: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } [البروج: 1] أي: النجوم. وقيل: محال الحرس التي يرمي منها بالشهب لمسترق السمع، ولا منافاة بين القولين. وقال تعالى: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } [الحجر: 16- 17] . فذكر أنه زين منظرها بالكواكب الثوابت والسيارات، الشمس والقمر، والنجوم الزاهرات، وأنه صان حوزتها عن حلول الشياطين بها، وهذا زينة معنى فقال: وحفظناها من كل شيطان رجيم. كما قال: { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى } [الصافات: 6- 7] . قال البخاري في كتاب بدء الخلق، وقال قتادة: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } [الملك: 5] . خلق هذه النجوم الثلاث، جعلها زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. وهذا الذي قاله قتادة مصرح به في قوله تعالى: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } [الملك: 5] . وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } [الأنعام: 97] . فمن تكلف غير هذه الثلاث، أي من علم أحكام ما تدل عليه حركاتها ومقارناتها في سيرها، وأن ذلك يدل على حوادث أرضية فقد أخطأ. وذلك أن أكثر كلامهم في هذا الباب ليس فيه إلا حدس، وظنون كاذبة، ودعاوى باطلة، وذكر تعالى أنه خلق سبع سموات طباقًا أي: واحدة فوق واحدة. واختلف أصحاب الهيئة: هل هن متراكمات؟ أو متفاصلات بينهن خلاء؟ على قولين: والصحيح الثاني لما قدمنا من حديث عبد الله بن عميرة، عن الأحنف، عن العباس في حديث الأوعال أن رسول الله قال: « أتدرون كم بين السماء والأرض؟ » قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: « بينهما مسيرة خمسمائة عام، ومن كل سماء إلى سماء خمسمائة سنة، وكثف كل سماء خمسمائة سنة... ». الحديث بتمامه رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وحسنه. وفي (الصحيحين) من حديث أنس في حديث الإسراء قال فيه: « ووجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فرد . وقال: مرحبًا وأهلًا بابني، نعم الابن أنت - إلى أن قال - ثم عرج إلى السماء الثانية، وكذا ذكر في الثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة ». فدل على التفاضل بينها لقوله: « ثم عرج بنا حتى أتينا السماء الثانية، فاستفتح فقيل من هذا؟ » الحديث، وهذا يدل على ما قلناه، والله أعلم. وقد حكى ابن حزم، وابن المنير، وأبو الفرج ابن الجوزي، وغير واحد من العلماء الإجماع على أن السموات: كرة مستديرة. واستدل على ذلك بقوله: كل في فلك يسبحون. قال الحسن: يدورون، وقال ابن عباس: في فلكة مثل فلكة المغزل. قالوا: ويدل على ذلك أن الشمس تغرب كل ليلة من المغرب، ثم تطلع في آخرها من المشرق، كما قال أمية ابن أبي الصلت. والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراء مطلع لونها متورد تأبى فلا تبدو لنا في رسلها * إلا معذبة وإلا تجلد فأما الحديث الذي رواه البخاري حيث قال: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال رسول الله لأبي ذر حين غربت الشمس: « تدري أين تذهب؟ » قلت: الله ورسوله أعلم. قال: « فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [يس: 38] ». هذا لفظه في بدء الخلق، ورواه في التفسير. وفي التوحيد من حديث الأعمش أيضًا، ورواه مسلم في الإيمان من طريق الأعمش، ومن طريق يونس بن عبيد، وأبو داود من طريق الحكم بن عتبة، كلهم عن إبراهيم بن يزيد بن شريك، عن أبيه، عن أبي ذر به نحوه. وقال الترمذي: حسن صحيح. إذا علم هذا فإنه حديث لا يعارض ما ذكرناه من استدارة الأفلاك التي هي السموات على أشهر القولين، ولا يدل على كرية العرش كما زعمه زاعمون قد أبطلنا قولهم فيما سلف، ولا يدل على أنها تصعد إلى فوق السموات من جهتنا حتى تسجد تحت العرش، بل هي تغرب عن أعيننا، وهي مستمرة في فلكها الذي هي فيه، وهو الرابع فيما قاله غير واحد من علماء التفسير. وليس في الشرع ما ينفيه بل في الحس، وهو الكسوفات ما يدل عليه ويقتضيه، فإذا ذهبت فيه حتى تتوسطه، وهو وقت نصف الليل مثلًا في اعتدال الزمان، بحيث يكون بين القطبين الجنوبي والشمالي، فإنها تكون أبعد ما يكون من العرش لأنه مقبب من جهة وجه العالم، وهذا محل سجودها كما يناسبها.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
01-11-11, 03:43 PM | المشاركة رقم: 17 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
تابع 2/3 ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن من الآيات كما أنها أقرب ما تكون من العرش وقت الزوال من جهتنا، فإذا كانت في محل سجودها، استأذنت الرب جل جلاله في طلوعها من الشرق، فيؤذن لها، فتبدو من جهة الشرق، وهي مع ذلك كارهة لعصاة بني آدم أن تطلع عليهم، ولهذا قال أمية: تأبى فلا تبدو لنا في رسلها * إلا معذبة وإلا تجلد فإذا كان الوقت الذي يريد الله طلوعها من جهة مغربها تسجد على عادتها، وتستأذن في الطلوع من عادتها، فلا يؤذن لها، فجاء أنها تسجد أيضًا، ثم تستأذن، فلا يؤذن لها، ثم تسجد، فلا يؤذن لها، وتطول تلك الليلة كما ذكرنا في التفسير، فتقول: يا رب إن الفجر قد اقترب، وإن المدى بعيد. فيقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها. فإذا رآها الناس آمنوا جميعًا، وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا، وفسروا بذلك قوله تعالى { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } [يس: 38] . قيل: لوقتها الذي تؤمر فيه تطلع من مغربها. وقيل: مستقرها: موضعها الذي تسجد فيه تحت العرش. وقيل: منتهى سيرها، وهو آخر الدنيا. وعن ابن عباس أنه قرأ: والشمس تجري لا مستقر لها، أي: ليست تستقر، فعلى هذا تسجد وهي سائرة. ولهذا قال تعالى: { لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }. [يس: 40] . أي: لا تدرك الشمس القمر، فتطلع في سلطانه ودولته، ولا هو أيضًا، ولا الليل سابق النهار، أي ليس سابقه بمسافة يتأخر ذاك عنه فيها، بل إذا ذهب النهار جاء الليل في أثره متعقبًا له. كما قال في الآية الأخرى: {..... يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54] . وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } [الفرقان: 62] ، أي: يخلف هذا لهذا، وهذا لهذا، كما قال رسول الله : فالزمان المحقق ينقسم إلى ليل ونهار، وليس بينهما غيرهما، ولهذا قال تعالى: { يولج اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى }. [فاطر: 13] فيولج من هذا في هذا، أي يأخذ من طول هذا في قصر هذا، فيعتدلان كما في أول فصل الربيع، يكون الليل قبل ذلك طويلًا والنهار قصيرًا، فلا يزال الليل ينقص، والنهار يتزايد، حتى يعتدلا، وهو أول الربيع. ثم يشرع النهار يطول ويتزايد، والليل يتناقص حتى يعتدلا أيضًا في أول فصل الخريف. ثم يشرع الليل يطول، ويقصر النهار إلى آخر فصل الخريف، ثم يترجح النهار قليلًا قليلًا، ويتناقص الليل شيئًا فشيئًا، حتى يعتدلا في أول فصل الربيع كما قدمنا، وهكذا في كل عام. ولهذا قال تعالى: { وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } [المؤمنون: 80] أي: هو المتصرف في ذلك كله، الحاكم الذي لا يخالف ولا يمانع. ولهذا يقول في ثلاث آيات عند ذكر السموات، والنجوم، والليل والنهار { ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [يس: 38] . أي: العزيز الذي قد قهركل شيء، ودان له كل شيء، فلا يمانع ولا يغالب، العليم بكل شيء، فقدر كل شيء تقديرًا على نظام لا يختلف ولا يضطرب. وقد ثبت في (الصحيحين)، من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « قال الله: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار ». وفي رواية: « فأنا الدهر، أقلب ليله ونهاره ». قال العلماء كالشافعي، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وغيرهما: يسب الدهر، أي يقول: فعل بنا الدهر كذا، يا خيبة الدهر، أيتم الأولاد، أرمل النساء. قال الله تعالى: « وأنا الدهر » أي: أنا الدهر الذي يعنيه، فإنه فاعل ذلك، الذي أسنده إلى الدهر، والدهر مخلوق، وإنما فعل هذا هو الله، فهو يسب فاعل ذلك، ويعتقده الدهر، والله هو الفاعل لذلك، الخالق لكل شيء، المتصرف في كل شيء، كما قال: « وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب ليله ونهاره ». وكما قال تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران: 26- 27] . « إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم ». وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ } [يونس: 5-6] . أي: فاوت بين الشمس والقمر في نورهما، وفي شكلهما، وفي وقتهما، وفي سيرهما، فجعل هذا ضياء، وهو شعاع الشمس برهان ساطع، وضوء باهر، والقمر نورًا أي أضعف من برهان الشمس، وجعله مستفادًا من ضوئها، وقدره منازل أي: يطلع أول ليلة من الشهر صغيرًا ضئيلًا، قليل النور، لقربه من الشمس، وقلة مقابلته لها، فبقدر مقابلته لها يكون نوره. ولهذا في الليلة الثانية يكون أبعد منها بضعف ما كان في الليلة الأولى، فيكون نوره بضعف النور أول ليلة. ثم كلما بعُد ازداد نوره، حتى يتكامل إبداره ليلة مقابلته إياها من المشرق، وذلك ليلة أربع عشرة من الشهر. ثم يشرع في النقص لاقترابه إليها من الجهة الأخرى إلى آخر الشهر، فيستتر، حتى يعود كما بدأ في أول الشهر الثاني. فبه تعرف الشهور، وبالشمس تعرف الليالي والأيام، وبذلك تعرف السنين والأعوام، ولهذا قال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ }. وقال تعالى: { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا } [الإسراء: 12] . وقال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } [البقرة: 189] . وقد بسطنا القول على هذا كله في التفسير، فالكواكب التي في السماء، منها سيارات، وهي المتخيرة في اصطلاح علماء التفسير، وهو علم غالبه صحيح، بخلاف علم الأحكام فإن غالبه باطل، ودعوى ما لا دليل عليه، وهي سبعة: القمر في سماء الدنيا. وعطارد في الثانية. والزهرة في الثالثة. والشمس في الرابعة. والمريخ في الخامسة. والمشتري في السادسة. وزحل في السابعة. وبقية الكواكب يسمونها الثوابت، وهي عندهم في الفلك الثامن، وهو الكرسي في اصطلاح كثير من المتأخرين. وقال آخرون: بل الكواكب كلها في السماء الدنيا، ولا مانع من كون بعضها فوق بعض، وقد يستدل على هذا بقوله تعالى: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } [الملك: 5] . وبقوله: { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [فصلت: 12] . فخص سماء الدنيا من بينهن بزينة الكواكب، فإن دل هذا على كونها مرصعة فيها فذاك، وإلا فلا مانع مما قاله الآخرون، والله أعلم. وعندهم: أن الأفلاك السبعة، بل الثمانية تدور بما فيها من الكواكب الثوابت، والسيارات تدور على خلاف فلكه من المغرب إلى المشرق، فالقمر يقطع فلكه في شهر. والشمس تقطع فلكها وهو الرابع في سنة. فإذا كان السيران ليس بينهما تفاوت، وحركاتهما متقاربة، كان قدر السماء الرابعة بقدر السماء الدنيا ثنتي عشرة مرة، وزحل يقطع فلكه وهو السابع في ثلاثين سنة، فعلى هذا يكون بقدر السماء الدنيا ثلاثمائة وستين مرة. وقد تكلموا على مقادير أجرام هذه الكواكب، وسيرها، وحركاتها، وتوسعوا في هذه الأشياء حتى تعدوا إلى علم الأحكام، وما يترتب على ذلك من الحوادث الأرضية، ومما لا علم لكثير منهم به. وقد كان اليونانيون الذين كانوا يسكنون الشام قبل زمن المسيح بدهور لهم في هذا كلام كثير، يطول بسطه، وهم الذين بنوا مدينة دمشق، وجعلوا لها أبوابًا سبعة، وجعلوا على رأس كل باب هيكلًا على صفة الكواكب السبعة، يعبدون كل واحد في هيكله، ويدعونه بدعاء يأثره عنهم غير واحد من أهل التواريخ، وغيرهم. وذكره صاحب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم، وغيره من علماء الحرنانيين (فلاسفة حران) في قديم الزمان، وقد كانوا مشركين يعبدون الكواكب السبع، وهم طائفة من الصابئين. ولهذا قال الله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [فصلت: 37] . وقال تعالى إخبارًا عن الهدهد: أنه قال لسليمان مخبرًا عن بلقيس وجنودها ملكة سبأ في اليمن وما والاها: { إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [النمل: 23 -26] . وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [الحج: 18] . وقال تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [النحل: 48-50] . وقال تعالى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } [الرعد: 15] . وقال تعالى: { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } [الإسراء: 44] . والآيات في هذا كثيرة جدًا. ولما كان أشرف الأجرام المشاهدة في السموات والأرض هي الكواكب، وأشرفهن منظرًا، وأشرفهن معتبرًا: الشمس والقمر، استدل الخليل على بطلان إلهية شيء منهن، وذلك في قوله تعالى: { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ } [الأنعام: 76] . أي للغائبين. { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 77-79] . فبين بطريق البرهان القطعي أن هذه الأجرام المشاهدات من الكواكب والقمر والشمس، لا يصلح شيء منها للألوهية، لأنها كلها مخلوقة مربوية، مدبرة مسخرة في سيرها، لا تحيد عما خلقت له، ولا تزيغ عنه إلا بتقدير متقن محرر، لا تضطرب ولا تختلف.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
01-11-11, 03:49 PM | المشاركة رقم: 18 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
وذلك دليل على كونها مربوبة مصنوعة مسخرة مقهورة، ولهذا قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [فصلت: 37] . وثبت في (الصحيحين) في صلاة الكسوف، من حديث ابن عمر، وابن عباس، وعائشة وغيرهم، من الصحابة أن رسول الله قال في خطبته يومئذ: « إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ». وقال البخاري في بدء الخلق: حدثنا مسدد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا عبد الله الداناج، حدثني أبو سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي قال: « الشمس والقمر مكوران يوم القيامة ». انفرد به البخاري. وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار بأبسط من هذا السياق، فقال: حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، عن عبد الله الداناج، سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن زمن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد -مسجد الكوفة- وجاء الحسن، فجلس إليه، فحدث قال: حدثنا أبو هريرة، أن رسول الله قال: « إن الشمس والقمر ثوران في النار يوم القيامة ». فقال الحسن: وما دينهما؟ فقال: أحدثك عن رسول الله ، وتقول وما دينهما. ثم قال البزار لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ولم يرو عبد الله الداناج عن أبي سلمه سوى هذا الحديث. وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي من طريق يزيد الرقاشي، وهو ضعيف، عن أنس قال: قال رسول الله : « الشمس والقمر ثوران عقيران في النار ». وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، وعمر بن عبد الله الأزدي، حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن شيخ من بجيلة، عن ابن عباس { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [التكوير: 1] قال: يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر، ويبعث الله ريحًا دبورًا فتضرمها نارًا. فدلت هذه الآثار على أن الشمس والقمر من مخلوقات الله، خلقها الله لما أراد، ثم يفعل فيها ما يشاء، وله الحجة الدافعة، والحكمة البالغة، فلا يسأل عما يفعل لعلمه وحكمته وقدرته، ومشيئته النافذة، وحكمه الذي لا يرد ولا يمانع ولا يغالب. وما أحسن ما أورده الإمام محمد بن إسحاق بن يسار في أول كتاب (السيرة) من الشعر لزيد بن عمرو بن نفيل، في خلق السماء والأرض، والشمس والقمر، وغير ذلك. قال ابن هشام: هي لأمية بن أبي الصلت: إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا * وقولا رضيا لا يني الدهر باقيا إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه * إله ولا رب يكون مدانيا ألا أيها الإنسان إياك والردى * فإنك لا تخفي من الله خافيا وإياك لا تجعل مع الله غيره * فإن سبيل الرشد أصبح باديا حنانيك إن الجن كانت رجاءهم * وأنت إلهي ربنا ورجائيا رضيت بك اللهم ربا فلن أرى * أدين إلها غيرك الله ثانيا وأنت الذي من فضل منّ ورحمة * بعثت إلى موسى رسولا مناديا فقلت له اذهب وهارون فادعُ * إلى الله فرعون الذي كان طاغيا وقولا له أأنت سويت هذه * بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا وقولا له آنت رفعت هذه * بلا عمد ارفق إذا بك بانيا وقولا له آنت سويت وسطها * منيرا إذا ماجنه الليل هاديا وقولا له من يرسل الشمس غدوة * فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا وقولا له من ينبت الحب في الثرى * فيصبح منه البقل يهتز رابيا ويخرج منه حبه في رؤسه * وفي ذاك آيات لمن كان واعيا وأنت بفضل منك نجيت يونسا * وقد بات في أضعاف حوت لياليا وإني لو سبحت باسمك ربنا * لأكثر إلا ما غفرت خطائيا فرب العباد ألق سيبا ورحمة * علي وبارك في بني وماليا فإذا علم هذا، فالكواكب التي في السماء من الثوابت والسيارات الجميع مخلوقة، خلقها الله تعالى كما قال تعالى: { وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [فصلت: 12] . وأما ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت وماروت، من أن الزهرة كانت امرأة، فراوداها على نفسها، فأبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم، فعلماها فقالته، فرفعت كوكبًا إلى السماء، فهذا أظنه من وضع الإسرائيليين، وإن كان قد أخرجه كعب الأحبار، وتلقاه عنه طائفة من السلف، فذكروه على سبيل الحكاية، والتحديث عن بني إسرائيل. وقد روى الإمام أحمد، وابن حبان في (صحيحه)، في ذلك حديثًا رواه أحمد، عن يحيى ابن بكير، عن زهير بن محمد، عن موسى بن جبير، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي وذكر القصة بطولها. وفيه: « فمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما، فسألاها نفسها » وذكر القصة. وقد رواه عبد الرزاق في (تفسيره) عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن كعب الأحبار به. وهذا أصح وأثبت. وقد روى الحاكم في (مستدركه) هو ابن أبي حاتم في (تفسيره) عن ابن عباس، فذكره، وقال فيه: « وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب » وذكر تمامه. وهذا أحسن لفظ روي في هذه القصة، والله أعلم. وهكذا الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عبد الملك الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا مبشر بن عبيد، عن يزيد بن أسلم، عن ابن عمر، عن النبي . وحدثنا عمرو بن عيسى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر أن رسول الله ذكر سهيلًا فقال: « كان عشارًا ظلومًا، فمسخه الله شهابًا ». ثم قال: لم يروه عن زيد بن أسلم إلا مبشر بن عبيد، وهو ضعيف الحديث. ولا عن عمرو بن دينار إلا إبراهيم بن يزيد وهو لين الحديث. وإنما ذكرناه على ما فيه من علة، لأنا لم نحفظه إلا من هذين الوجهين. قلت: أما مبشر بن عبيد القرشي فهو أبو حفص الحمصي، وأصله من الكوفة، فقد ضعفه الجميع، وقال فيه الإمام أحمد، والدارقطني: كان يضع الحديث، ويكذب. وأما إبراهيم بن يزيد فهو - الخوزي - وهو ضعيف باتفاقهم، قال فيه أحمد، والنسائي: متروك. وقال ابن معين: ليس بثقة، وليس بشيء. وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال أبو حاتم، وأبو زرعة: منكر الحديث، ضعيف الحديث. ومثل هذا الإسناد لا يثبت به شيء بالكلية، وإذا أحسنا الظن قلنا: هذا من أخبار بني إسرائيل كما تقدم من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار، ويكون من خرافاتهم التي لا يعول عليها، والله أعلم.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
13-11-11, 10:56 AM | المشاركة رقم: 19 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
سيرة رسول الله (البداية والنهاية) لابن كثير البداية والنهاية - الجزء الأول البدايةوالنهاية - تابع الجزء الأول المجرة وقوس قزح قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عارم أبو النعمان، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن هرقل كتب إلى معاوية وقال: إن كان بقي فيهم شيء من النبوة، فسيخبرني عما أسألهم عنه. قال: فكتب إليه يسأله عن المجرة، وعن القوس، وعن بقعة لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة. قال: فلما أتى معاوية الكتاب والرسول، قال: إن هذا الشيء ما كنت آبه له أن أسأل عنه إلى يومي هذا، من لهذا؟ قيل: ابن عباس، فطوى معاوية كتاب هرقل، فبعث به إلى ابن عباس، فكتب إليه: أن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق، والمجرة: باب السماء الذي تنشق منه الأرض، وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من النهار: فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل. وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس . فأما الحديث الذي رواه الطبراني؛ حدثنا أبو الزنباع: روح بن الفرج، حدثنا إبراهيم بن مخلد، حدثنا الفضل بن المختار، عن محمد بن مسلم الطائفي، عن ابن أبي يحيى، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : « يا معاذ.. إني مرسلك إلى قوم أهل كتاب، فإذا سُئلت عن المجرة التي في السماء، فقل: هي لعاب حية تحت العرش ». فإنه حديث منكر جدًا، بل الأشبه أنه موضوع، وراويه الفضل بن المختار هذا أبو سهل البصري، ثم انتقل إلى مصر. قال فيه أبو حاتم الرازي: هو مجهول، حدث بالأباطيل. وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث جدًا. وقال ابن عدي: لا يتابع على أحاديثه، لا متنًا ولا إسنادًا. وقال الله تعالى: { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } [الرعد: 12-13] . وقال تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 164] . وروى الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن شيخ من بني غفار قال: سمعت رسول الله يقول: « إن الله ينشئ السحاب، فينطق أحسن النطق، ويضحك أحسن الضحك ». وروى موسى بن عبيدة بن سعد بن إبراهيم أنه قال: إن نطقه الرعد، وضحكه البرق. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام، عن عبيد الله الرازي، عن محمد بن مسلم قال: بلغنا أن البرق ملك له أربعة وجوه: وجه إنسان، ووجه ثور، ووجه نسر، ووجه أسد، فإذا مصع بذنبه فذاك البرق. وقد روى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، والبخاري في كتاب الأدب، والحاكم في (مستدركه) من حديث الحجاج بن أرطاة، حدثني ابن مطر، عن سالم، عن أبيه، قال: كان رسول الله إذا سمع الرعد والصواعق قال: « اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك ». وروى ابن جرير من حديث ليث، عن رجل، عن أبي هريرة رفعه: كان إذا سمع الرعد قال: « سبحان من يسبح الرعد بحمده ». وعن علي أنه كان يقول: سبحان من سبحت له. وكذا عن ابن عباس، والأسود بن يزيد، وطاوس، وغيرهم. وروى مالك، عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، ويقول: إن هذا وعيد شديد لأهل الأرض. وروى الإمام أحمد، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: « قال ربكم: لو أن عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أسمعتهم صوت الرعد، فاذكروا الله، فإنه لا يصيب ذاكرًا ». وكل هذا مبسوط في التفسير، ولله الحمد والمنة.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
16-11-11, 12:32 AM | المشاركة رقم: 20 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم أخي الفاضل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
16-11-11, 08:36 AM | المشاركة رقم: 21 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
بارك الله بك أختي في الله على التنويه، بالنسبة للإسم (قزح) فقد نقلت ما كتب عن ابن كثير ولم أشأ التغيير ، وقزح أيضاً تعني المرتفع
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
21-11-11, 07:07 PM | المشاركة رقم: 22 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
30-11-11, 02:51 PM | المشاركة رقم: 23 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
باب ذكر خلق الملائكة و صفاتهم قال الله تعالى: {. وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 26-29] . وقال تعالى: { تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الشورى: 5] . وقال تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [غافر: 7-8] . وقال تعالى: { فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } [فصلت: 38] . وقال: { وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 19-20] . وقال تعالى: { وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ *وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ } [الصافات: 164-166] . وقال تعالى: { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } [مريم: 64] . وقال تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الإنفطار: 10-12] . وقال تعالى: { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } [المدثر: 31] وقال تعالى: { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [الرعد: 23-24] . وقال تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [فاطر: 1] . وقال تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } [الفرقان: 25] . وقال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } [الفرقان: 21-22] . وقال تعالى: { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة: 98] . وقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6] . والآيات في ذكر الملائكة كثيرة جدًا، يصفهم تعالى بالقوة في العبادة، وفي الخلق، وحسن المنظر، وعظمة الأشكال، وقوة الشكل في الصور المتعددة، كما قال تعالى: { وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ } [هود: 76 - 77] الآيات. فذكرنا في التفسير ما ذكره غير واحد من العلماء، من أن الملائكة تبدو لهم في صورة شباب حسان، امتحانًا واختبارًا، حتى قامت على قوم لوط الحجة، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر. وكذلك كان جبريل يأتي إلى النبي في صفات متعددة؛ فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وتارة في صورة أعرابي، وتارة في صورته التي خلق عليها. له ستمائة جناح، ما بين كل جناحين، كما بين المشرق والمغرب، كما رآه على هذه الصفة مرتين. مرة منهبطًا من السماء إلى الأرض، وتارة عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى. وهو قوله تعالى: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } [النجم: 5 - 8] . أي جبريل: كما ذكرناه عن غير واحد من الصحابة، منهم ابن مسعود، وأبو هريرة، وأبو ذر، وعائشة { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } [النجم: 9 - 10] أي: إلى عبد الله محمد . ثم قال تعالى: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } [النجم: 13- 17] . وقد ذكرنا في أحاديث الإسراء، في سورة سبحان، أن سدرة المنتهى، في السماء السابعة. وفي رواية في السادسة، أي أصلها وفروعها في السابعة، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها. قيل: غشيها نور الرب جل جلاله. وقيل: غشيها فراش من ذهب. وقيل: غشيها ألوان متعددة كثيرة غير منحصرة. وقيل: غشيها الملائكة مثل الغربان. وقيل: غشيها من نور الله تعالى فلا يستطيع أحد أن ينعتها. أي من حسنها وبهائها. ولا منافاة بين هذه الأقوال، إذ الجميع ممكن حصوله في حال واحدة. وذكرنا أن رسول الله قال: « ثم رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كالقلال ». وفي رواية: « كقلال هجر، وإذا ورقها كآذان الفيلة » وإذا يخرج من أصلها نهران باطنان، ونهران ظاهران. فأما الباطنان ففي الجنة. وأما الظاهران فالنيل والفرات. وتقدم الكلام على هذا في ذكر خلق الأرض، وما فيها من البحار والأنهار. وفيه: « ثم رفع لي البيت المعمور، وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودونه إليه آخر ما عليهم ». وذكر أنه وجد إبراهيم الخليل ، مستندًا ظهره إلى البيت المعمور. وذكرنا وجه المناسبة في هذا أن البيت المعمور، هو في السماء السابعة بمنزلة الكعبة في الأرض. وقد روى سفيان الثوري، وشعبة، وأبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، أن ابن الكوا سأل علي بن أبي طالب عن البيت المعمور فقال: هو مسجد في السماء يقال له: الضُراح، وهو بحيال الكعبة من فوقها. حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة، لا يعودون إليه أبدًا. وهكذا روى علي بن ربيعة، وأبو الطفيل، عن علي مثله. وقال الطبراني: أنبأنا الحسن بن علوية القطان، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار، حدثنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة، حدثنا ابن جريج، عن صفوان بن سليم، عن كريب، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : « البيت المعمور في السماء، يقال له: الضُراح، وهو على مثل البيت الحرام بحياله، لو سقط لسقط عليه، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يرونه قط، فإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة » يعني في الأرض. وهكذا قال العوفي، عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والربيع بن أنس، والسدي، وغير واحد، وقال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله قال يومًا لأصحابه: « هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: قال: مسجد في السماء بحيال الكعبة، لو خر لخر عليها، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم ». وزعم الضحاك أنه تعمره طائفة من الملائكة، يقال لهم: الجن، من قبيلة إبليس لعنه الله، كان يقول: سدنته وخدامه منهم، والله أعلم. وقال آخرون: في كل سماء بيت، يعمره ملائكته بالعبادة فيه، ويفدون إليه بالنوبة والبدل، كما يعمر أهل الأرض البيت العتيق بالحج في كل عام، والاعتمار في كل وقت، والطواف والصلاة في كل آن. قال سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، في أوائل كتابه المغازي: حدثنا أبو عبيد في حديث مجاهد أن الحرم حرم مناه، يعني قدره من السماوات السبع، والأرضين السبع، وأنه رابع أربعة عشر بيتًا في كل سماء بيت، وفي كل أرض بيت، لو سقطت سقط بعضها على بعض. ثم روى مجاهد، قال: مناه أي مقابله، وهو حرف مقصور. ثم قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي سليمان مؤذن الحجاج، سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إن الحرم محرم في السموات السبع، مقداره من الأرض، وإن بيت المقدس، مقدس في السماوات السبع، مقداره من الأرض. كما قال بعض الشعراء: إن الذي سمك السماء بنى لها * بيتا دعائمه أشد وأطول يــتــبـــع
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
30-11-11, 03:05 PM | المشاركة رقم: 24 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
واسم البيت الذي في السماء: بيت العزة، واسم الملك الذي هو مقدم الملائكة فيها: إسماعيل. فعلى هذا يكون السبعون ألفًا من الملائكة الذين يدخلون في كل يوم، إلى البيت المعمور، ثم لا يعودون إليه، آخر ما عليهم، أي لا يحصل لهم نوبة فيه إلى آخر الدهر. يكونون من سكان السماء السابعة وحدها. ولهذا قال تعالى: { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } [المدثر: 31] . وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله : « إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا، ولما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات، تجأرون إلى الله عز وجل ». فقال أبو ذر: والله لوددت أني شجرة تعضد. ورواه الترمذي، وابن ماجه، من حديث إسرائيل فقال الترمذي: حسن غريب. ويروى عن أبي ذر موقوفًا. وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا حسين بن عرفة المصري، حدثنا عروة بن عمران الرقي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم بن مالك، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : « ما في السماوات السبع موضع قدم، ولا شبر، ولا كف، إلا وفيه ملك قائم، أو ملك ساجد، أو ملك راكع، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعًا ما عبدناك حق عبادتك، إلا أنا لا نشرك بك شيئًا ». فدل هذان الحديثان على أنه ما من موضع في السماوات السبع، إلا وهو مشغول بالملائكة، وهم في صنوف من العبادة. منهم: من هو قائم أبدًا. ومنهم: من هو راكع أبدًا. ومنهم: من هو ساجد أبدًا. ومنهم: من هو في صنوف أخر، والله أعلم بها. وهم دائمون في عبادتهم، وتسبيحهم، وأذكارهم وأعمالهم التي أمرهم الله بها، ولهم منازل عند ربهم، كما قال تعالى: { وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ } [الصافات: 164-166] . وقال : « ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها! قالوا: وكيف يصفون عند ربهم؟ قال: يكملون الصف الأول، ويتراصون في الصف ». وقال : « فضلنا على الناس بثلاث: جعلت لنا الأرض مسجدًا، وتربتها لنا طهورًا، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ». وكذلك يأتون يوم القيامة، بين يدي الرب، جلَّ جلاله، صفوفًا كما قال تعالى: { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [الفجر: 22] . ويقفون صفوفًا بين يدي ربهم، عز وجل، يوم القيامة، كما قال تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [النبأ: 38] . والمراد بالروح ههنا: بنو آدم، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة. وقيل: ضرب من الملائكة، يشبهون بني آدم في الشكل. قاله ابن عباس، ومجاهد، وأبو صالح، والأعمش. وقيل: جبريل. قاله الشعبي، وسعيد بن جبير، والضحاك. وقيل: ملك يقال له: الروح، بقدر جميع المخلوقات. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ } قال: هو ملك من أعظم الملائكة خلقًا. وقال ابن جرير: حدثني محمد بن خلف العسقلاني، حدثنا داود بن الجراح، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: الروح في السماء الرابعة، هو أعظم السماوات والجبال، ومن الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يخلق الله من كل تسبيحة ملكًا من الملائكة، يحيي يوم القيامة صفًا وحده. وهذا غريب جدًا. وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم المصري، حدثنا ابن وهب بن رزق أبو هبيرة، حدثنا بشر بن بكر، حدثنا الأوزاعي، حدثني عطاء، عن عبد الله بن عباس، قال: سمعت رسول الله يقول: « إن لله ملكًا، لو قيل له التقم السماوات، والأرضين بلقمة واحدة، لفعل، تسبيحه: سبحانك حيث كنت ». وهذا أيضًا حديث غريب جدًا، وقد يكون موقوفًا. وذكرنا في صفة حملة العرش، عن جابر بن عبد الله قال رسول الله : « أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ». رواه أبو داود، وابن أبي حاتم، ولفظه: « مخفق الطير سبعمائة عام ». وقد ورد في صفة جبريل أمر عظيم، قال الله تعالى: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }. قالوا: كان من شدة قوته، أنه رفع مدائن قوم لوط، وكن سبعًا بمن فيها من الأمم، وكانوا قريبًا من أربعمائة ألف، وما معهم من الدواب، والحيوانات، وما لتلك المدن من الأراضي، والمعتملات، والعمارات، وغير ذلك. رفع ذلك كله على طرف جناحه، حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب، وصياح ديكتهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، فهذا هو شديد القوى. وقوله: { ذُو مِرَّةٍ } أي: خلق حسن، وبهاء، وسناء. كما قال في الآية الأخرى: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } [التكوير: 19] ، أي: جبريل رسول من الله كريم، أي: حسن المنظر. { ذِي قُوَّةٍ } أي: له قوة وبأس شديد. { عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } أي: له مكانه، ومنزلة عالية رفيعة، عند الله. { ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ } [البروج: 19] ، { مُطَاعٍ ثَمَّ } أي: مطاع في الملأ الأعلى. { أَمِينٍ } أي: ذي أمانة عظيمة. ولهذا كان هو السفير بين الله، وبين أنبيائه عليهم السلام، الذي ينزل عليهم بالوحي، فيه الأخبار الصادقة، والشرائع العادلة، وقد كان يأتي إلى رسول الله وينزل عليه في صفات متعددة، كما قدمنا. وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين، له ستمائة جناح. كما روى البخاري: عن طلق بن غنام، عن زائدة الشيباني، قال: سألت زرًا عن قوله: { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } [النجم: 8-9] قال: حدثنا عبد الله يعني ابن مسعود، أن محمدًا رأى جبريل له ستمائة جناح. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا شريك عن جامع بن راشد، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: رأى رسول الله جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه التهاويل من الدر والياقوت، ما الله به عليم. وقال أحمد أيضًا: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود في هذه الآية { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } [النجم: 13- 14] قال: قال رسول الله : « رأيت جبريل وله ستمائة جناح، ينتشر من ريشه التهاويل الدر والياقوت ». وقال أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الحسين، حدثني عاصم بن بهدلة، سمعت شقيق بن سلمة يقول: سمعت ابن مسعود يقول: قال رسول الله : « رأيت جبريل على السدرة المنتهى، وله ستمائة جناح » فسألت عاصمًا عن الأجنحة، فأبى أن يخبرني، قال: فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب. وهذه أسانيد جيدة قوية، انفرد بها أحمد. وقال أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حصين، حدثني شقيق، سمعت ابن مسعود قال: قال رسول الله : « أتاني جبريل في خضر تعلق به الدر ». إسناده صحيح. وقال ابن جرير: حدثنا ابن بزيع البغدادي، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } قال: « رأى رسول الله جبريل عليه حلتا رفرف، قد ملأ ما بين السماء والأرض ». إسناد جيد قوي. وفي (الصحيحين) من حديث عامر الشعبي، عن مسروق قال: كنت عند عائشة فقلت: أليس الله يقول: { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ }، { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } فقالت: أنا أول هذه الأمة، سأل رسول الله عنها، فقال: « إنما ذاك جبريل، لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين، رآه منهبطًا من السماء إلى الأرض، سادًا عِظمُ خلقه ما بين السماء والأرض ». وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا عمر بن ذر (ح) وحدثني يحيى بن جعفر، حدثنا وكيع، عن عمر بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله لجبريل: ألا تزورنا أكثر مما تزورنا؟ قال: فنزلت { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا } الآية [مريم: 64] . وروى البخاري من حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة. وقال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن شهاب، أن عمر بن عبد العزيز أخرَّ العصر شيئًا، فقال له عروة: أما إن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله فقال عمر: أعلم ما تقول يا عروة. قال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول الله يقول: « نزل جبريل فأمني، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات ». ومن صفة إسرافيل - وهو أحد حملة العرش - وهو الذي ينفخ في الصور بأمر ربه نفخات ثلاثة: أولاهن: نفخة الفزع. والثانية: نفخة الصعق. والثالثة: نفخة البعث. كما سيأتي بيانه في موضعه من كتابنا هذا بحول الله وقوته، وحسن توفيقه. والصور: قرن ينفخ فيه. كل دارة منه كما بين السماء والأرض. وفيه موضع أرواح العباد حين يأمره الله بالنفخ للبعث، فإذا نفخ تخرج الأرواح تتوهج. فيقول الرب جلَّ جلاله: « وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى البدن الذي كانت تعمره في الدنيا، فتدخل على الأجساد في قبورها، فتدب فيها كما يدب السم في اللديغ، فتحيى الأجساد، وتنشق عنهم الأجداث، فيخرجون منها سراعًا إلى مقام المحشر »، كما سيأتي تفصيله في موضعه. ولهذا قال رسول الله : « كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له ». قالوا: كيف نقول يا رسول الله؟ قال: « قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا ». رواه أحمد، والترمذي، من حديث عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سعد الطائي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد قال: ذكر رسول الله صاحب الصور فقال: « عن يمينه جبريل، وعن يساره ميكائيل » عليهم السلام. وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا محمد بن عمر، أن ابن أبي ليلى، حدثني عن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: بينا رسول الله ومعه جبريل بناحية، إذ انشق أفق السماء، فأقبل إسرافيل يدنو من الأرض ويتمايل، فإذا ملك قد مثل بين يدي النبي ، فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تختار بين نبي عبد، أو ملك نبي؟ قال: فأشار جبريل إلي بيده أن تواضع، فعرفت أنه لي ناصح، فقلت: « عبد نبي ». فعرج ذلك الملك إلى السماء. فقلت: « يا جبريل قد كنت أردت أن أسألك عن هذا فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة، فمن هذا يا جبريل؟ ». فقال: هذا إسرافيل ، خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافًا قدميه، لا يرفع طرفه بينه، وبين الرب سبعون نورًا، ما منها من نور يكاد يدنو منه إلا احترق، بين يديه لوح، فإذا أذن الله في شيء من السماء أو في الأرض، ارتفع ذلك اللوح، فضرب جبهته، فينظر فإن كان من عملي أمرني به، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به. قلت: « يا جبريل وعلى أي شيء أنت؟ ». قال: على الريح والجنود. قلت: « وعلى أي شيء ميكائيل؟ ». قال: على النبات والقطر. قلت: « وعلى أي شيء ملك الموت ». قال: على قبض الأنفس، وما ظننت أنه نزل إلا لقيام الساعة، وما الذي رأيت مني إلا خوفًا من قيام الساعة. هذا حديث غريب من هذا الوجه. وفي (صحيح مسلم)، عن عائشة: أن رسول الله كان إذا قام من الليل يصلي يقول: « اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ». وفي حديث الصور أن إسرافيل أول من يبعثه الله بعد الصعق، لينفخ في الصور. وذكر محمد بن الحسن النقاش أن إسرافيل أول من سجد من الملائكة، فجوزي بولاية اللوح المحفوظ، حكاه: أبو القاسم السهيلي في كتابه (التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأعلام). وقال تعالى: وقال تعالى: { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة: 98] . عطفهما على الملائكة لشرفهما، فجبريل: ملك عظيم، قد تقدم ذكره. وأما ميكائيل: فموكل بالقطر والنبات، وهو ذو مكانة من ربه عز وجل، ومن أشراف الملائكة المقربين. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا ابن عباس، عن عمارة بن غزنة الأنصاري، أنه سمع حميد بن عبيد، مولى بني المعلى يقول: سمعت ثابتًا البناني، يحدث عن أنس بن مالك، عن رسول الله أنه قال لجبريل: « ما لي لم أرَ ميكائيل ضاحكًا قط؟ ». فقال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار. فهؤلاء الملائكة المصرح بذكرهم في القرآن، وفي الصحاح، هم المذكورون في الدعاء النبوي: اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل. فجبريل: ينزل بالهدى على الرسل لتبليغ الأمم. وميكائيل: موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما الأرزاق في هذه الدار، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه، يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب جل جلاله. وقد روينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض. وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور، للقيام من القبور، والحضور يوم البعث والنشور، ليفوز الشكور، ويجازى الكفور، فذاك ذنبه مغفور، وسعيه مشكور، وهذا قد صار عمله كالهباء المنثور، وهو يدعو بالويل والثبور. فجبريل يحصل بما ينزل به الهدى. وميكائيل يحصل بما هو موكل به الرزق. وإسرافيل يحصل بما هو موكل به النصر والجزاء. وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن، ولا في الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل، والله أعلم. وقد قال الله تعالى: { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [السجدة: 11] . وله أعوان يستخرجون روح العبد من جثته، حتى تبلغ الحلقوم، فيتناولها ملك الموت بيده، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها منه، فيلقوها في أكفان تليق بها، كما قد بسط عند قوله: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } [إبراهيم: 27] . ثم يصعدون بها، فإن كانت صالحة فتحت لها أبواب السماء، وإلا غلقت دونها، وألقى بها إلى الأرض، قال الله تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } [الأنعام: 61-62] . وعن ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد أنهم قالوا: إن الأرض بين يدي ملك الموت، مثل الطست يتناول منها حيث يشاء. وقد ذكرنا أن ملائكة الموت يأتون الإنسان على حسب عمله، إن كان مؤمنًا أتاه ملائكة بيض الوجوه، بيض الثياب، طيبة الأرواح. وإن كان كافرًا فبالضد من ذلك، عياذا بالله العظيم من ذلك. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري، حدثنا عمرو بن شمر، قال: سمعت جعفر بن محمد قال: سمعت أبي يقول: نظر رسول الله إلى ملك الموت، عند رأس رجل من الأنصار، فقال له النبي : « يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن ». فقال ملك الموت: يا محمد طب نفسًا، وقر عينًا، فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم أن ما في الأرض بيت مدر، ولا شعر، في بر ولا بحر، إلا وأنا أتفحصهم في كل يوم خمس مرات، حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم بأنفسهم، والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك، حتى يكون الله هو الآمر بقبضها. قال جعفر بن محمد: أبي هو الصادق بلغني بتفحصهم عند مواقيت الصلاة، فإذا حضر عند الموت، فإذا كان ممن يحافظ على الصلاة، دنا منه الملك، ودفع عنه الشيطان، ولقنه الملك لا إله إلا الله محمد رسول الله في تلك الحال العظيمة. هذا حديث مرسل، وفيه نظر. وذكرنا في حديث الصور من طريق إسماعيل بن رافع المدني القاص، عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، عن رسول الله الحديث بطوله. وفيه « ويأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق، فينفخ نفخة الصعق، فيصعق أهل السماوات وأهل الأرض، إلا من شاء الله، فإذا هم قد خمدوا، جاء ملك الموت إلى الجبار عز وجل. فيقول: يا رب قد مات أهل السماوات والأرض، إلا من شئت. فيقول الله -وهو أعلم بمن بقي-: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل، وميكائيل. فيقول: ليمت جبريل، وميكائيل، فينطق الله العرش. فيقول: يا رب يموت جبريل، وميكائيل! فيقول: اسكت، فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي، فيموتان. ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار عز وجل. فيقول: يا رب قد مات جبريل وميكائيل. فيقول الله -وهو أعلم بمن بقي-: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقيت أنا. فيقول الله: لتمت حملة عرشي، فتموت. ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل، ثم يأتي ملك الموت. فيقول: يا رب قد مات حملة عرشك. فيقول الله وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت أنا. فيقول الله: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما أردت فمت، فيموت، فإذا لم يبقَ إلا الله الواحد القهار، الأحد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، كان آخرًا كما كان أولًا ». وذكر تمام الحديث بطوله. رواه الطبراني، وابن جرير، والبيهقي، ورواه الحافظ أبو موسى المديني، في كتاب (الطوالات) وعنده زيادة غريبة وهي قوله: « فيقول الله له: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما أردت، فمت موتًا لا تحيى بعده أبدًا ». ومن الملائكة المنصوص على أسمائهم في القرآن: هاروت وماروت في قول جماعة كثيرة من السلف. وقد ورد في قصتهما، وما كان من أمرهما آثار كثيرة، غالبها إسرائيليات. وروى الإمام أحمد حديثًا مرفوعًا عن ابن عمر، وصححه ابن حبان في تقاسيمه. وفي صحته عندي نظر. والأشبه أنه موقوف على عبد الله بن عمر، ويكون مما تلقاه عن كعب الأحبار كما سيأتي بيانه، والله أعلم. وفيه أنه تمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر. وعن علي، وابن عباس، وابن عمر أيضًا أن الزهرة كانت امرأة، وأنهما لما طلبا منها ما ذكر، أبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم، فعلماها. فقالته، فارتفعت إلى السماء، فصارت كوكبًا. وروى الحاكم في (مستدركه) عن ابن عباس قال: وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب. وهذا اللفظ أحسن ما ورد في شأن الزهرة. ثم قيل: كان أمرهما، وقصتهما في زمان إدريس. وقيل: في زمان سليمان بن داود، كما حررنا ذلك في التفسير. وبالجملة، فهو خبر إسرائيلي مرجعه إلى كعب الأحبار، كما رواه عبد الرزاق في (تفسيره)، عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب الأحبار بالقصة، وهذا أصح إسنادًا، وأثبت رجالًا، والله أعلم. ثم قد قيل: إن المراد بقوله { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } [البقرة: 102] . قبيلان من الجان، قاله ابن حزم، وهذا غريب، وبعيد من اللفظ. ومن الناس من قرأ { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } بالكسر، ويجعلهما علجين من أهل فارس. قاله الضحاك. ومن الناس من يقول: هما ملكان من السماء، ولكن سبق في قدر الله لهما ما ذكره من أمرهما، إن صح به الخبر، ويكون حكمهما كحكم إبليس، إن قيل إنه من الملائكة، لكن الصحيح أنه من الجن، كما سيأتي تقريره. ومن الملائكة المسمين في الحديث: منكر ونكير عليهما السلام. وقد استفاض في الأحاديث ذكرهما في سؤال القبر، وقد أوردناها عند قوله تعالى: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [إبراهيم: 27] . وهما فتانا القبر، موكلان بسؤال الميت في قبره عن ربه، ودينه، ونبيه، ويمتحنان البر، والفاجر، وهما أزرقان أفرقان، لهما أنياب، وأشكال مزعجة، وأصوات مفزعة، أجارنا الله من عذاب القبر، وثبتنا بالقول الثابت آمين. وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا ابن وهب، حدثني يونس، عن ابن شهاب، حدثني عروة أن عائشة زوج النبي حدثته أنها قالت للنبي : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: « لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا به عليك، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد، فقال ذلك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا ». ورواه مسلم من حديث ابن وهب به.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
05-12-11, 05:57 AM | المشاركة رقم: 25 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
بارك الله فيك
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
06-12-11, 09:44 AM | المشاركة رقم: 26 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
فصل : الملائكة عليهم السلام بالنسبة إلى ما هيأهم الله له أقسام صفحة 1/2 فمنهم: حملة العرش كما تقدم ذكرهم. ومنهم: الكروبيون الذين هم حول العرش، وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش، وهم الملائكة المقربون، كما قال تعالى: { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } [النساء: 172] . ومنهم: جبريل، وميكائيل عليهما السلام. وقد ذكر الله عنهم أنه يستغفرون للمؤمنين بظهر الغيب، كما قال تعالى: {.... وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [غافر: 7-9] . ولما كانت سجاياهم هذه السجية الطاهرة، كانوا يحبون من اتصف بهذه الصفة، فثبت في الحديث عن الصادق المصدوق أنه قال: « إذا دعا العبد لأخيه بظهر الغيب، قال الملك آمين ولك بمثل ». ومنهم: سكان السماوات السبع، يعمرونها عبادة دائبة، ليلًا ونهارًا، صباحًا ومساءً، كما قال تعالى: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 20] . فمنهم: الراكع دائمًا، والقائم دائمًا، والساجد دائمًا. ومنهم: الذين يتعاقبون زمرة بعد زمرة إلى البيت المعمور، كل يوم سبعون ألفًا، لا يعودون إليه آخر ما عليهم. ومنهم: الموكلون بالجنان، وإعداد الكرامة لأهلها، وتهيئة الضيافة لساكنيها، من ملابس، ومصاغ، ومساكن، ومآكل، ومشارب، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وخازن الجنة: ملك يقال له رضوان، جاء مصرحًا به في بعض الأحاديث. ومنهم: الموكلون بالنار، وهم الزبانية، ومقدموهم تسعة عشر، وخازنها مالك، وهو مقدم على جميع الخزنة، وهم المذكورون في قوله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ } الآية [غافر: 49] . وقال تعالى: { وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [الزخرف: 77] . وقال تعالى: { عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6] . وقال تعالى: { لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } [المدثر: 29-31] . وهم الموكلون بحفظ بني آدم، كما قال تعالى: { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } [الرعد: 9-10] . قال الوالبي عن ابن عباس: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } وهي الملائكة. وقال عكرمة عن ابن عباس: { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه، ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وقال مجاهد: ما من عبد إلا وملك موكل بحفظه في نومه، ويقظته، من الجن والإنس والهوام. وليس شيء يأتيه يريده إلا وقال وراءك، إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه. وقال أبو أسامة: ما من آدمي إلا ومعه ملك، يذود عنه حتى يسلمه للذي قدر له. وقال أبو مجلز: جاء رجل إلى علي فقال: إن نفرًا من مراد يريدون قتلك، فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، إن الأجل جنة حصينة. (مقابلة) ومنهم: الموكلون بحفظ أعمال العباد، كما قال تعالى: { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 17-18] . وقال تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الانفطار: 9-12] . قال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في (تفسيره): حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان ومسعر، عن علقمة بن يزيد، عن مجاهد، قال: قال رسول الله : « أكرموا الكرام الكاتبين، الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين، الجنابة والغائط، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجذم حائط أو بعيره، أو يستره أخوه ». هذا مرسل من هذا الوجه، وقد وصله البزار في (مسنده) من طريق جعفر بن سليمان. وفيه كلام عن علقمة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : « إن الله ينهاكم عن التعري، فاستحيوا من الله والذين معكم، الكرام الكاتبين، الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات: الغائط، والجنابة، والغسل. فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستر بثوبه، أو بجذم حائط، أو بعيره ». ومعنى إكرامهم: أن يستحي منهم، فلا يملي عليهم الأعمال القبيحة التي يكتبونها، فإن الله خلقهم كرامًا في خلقهم وأخلاقهم. ومن كرمهم أنه قد ثبت في الحديث المروي في الصحاح، والسنن، والمسانيد، من حديث جماعة من الصحابة، عن رسول الله أنه قال: « لا يدخل الملائكة بيتًا فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب » وفي رواية عن عاصم بن ضمرة، عن علي، « ولا بول ». وفي رواية رافع عن أبي سعيد مرفوعًا: « لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولاتمثال ». وفي رواية مجاهد عن أبي هريرة مرفوعًا: « لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب أو تمثال ». وفي رواية ذكوان أبي صالح السماك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « لا تصحب الملائكة رفقة معهم كلب، أو جرس ». ورواه زرارة بن أوفى عنه: « لاتصحب الملائكة رفقة معهم جرس ». وقال البزار: حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي المعروف بالقلوس، حدثنا بيان بن حمران، حدثنا سلام، عن منصور بن زاذان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « إن ملائكة الله يعرفون بني آدم - وأحسبه قال - ويعرفون أعمالهم، فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله، ذكروه بينهم، وسموه، وقالوا أفلح الليلة فلان، نجا الليلة فلان، وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله، ذكروه بينهم، وسموه، وقالوا هلك فلان الليلة ». ثم قال سلام: أحسبه سلام المدائني، وهو لين الحديث. وقد قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « الملائكة يتعاقبون، ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون ». هذا اللفظ في كتاب بدء الخلق بهذا السياق، وهذا اللفظ تفرد به دون مسلم من هذا الوجه. وقد أخرجاه في (الصحيحين) في البدء من حديث مالك، عن أبي الزناد به. وقال البزار: حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، حدثنا تمام بن نجيح، عن الحسن يعني البصري، عن أنس قال: قال رسول الله : « ما من حافظين يرفعان إلى الله عز وجل ما حفظا في يوم، فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها، استغفارًا إلا قال الله: غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة ». ثم قال تفرد بن تمام بن نجيح، وهو صالح الحديث. قلت: وقد وثقه ابن معين، وضعفه البخاري، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي، وابن عدي، ورواه ابن حبان بالوضع، وقال الإمام أحمد: لا أعرف حقيقة أمره. والمقصود: أن كل إنسان له حافظان، ملكان اثنان، واحد من بين يديه، وآخر من خلفه، يحفظانه من أمر الله، بأمر الله عز وجل، وملكان كاتبان عن يمينه، وعن شماله، وكاتب اليمين أمير على كاتب الشمال، كما ذكرنا ذلك عند قوله تعالى: { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 17-18] . يتبع
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
06-12-11, 09:52 AM | المشاركة رقم: 27 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
الــشـــلاش
المنتدى :
بـاب السيـرة النبـويـة
تابع صفحة 2/2 فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا سفيان، حدثنا منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله : « ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة ». قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: « وإياي ولكن الله أعانني عليه، فلا يأمرني إلا بخير ». انفرد بإخراجه مسلم من حديث منصور به. فيحتمل أن هذا القرين من الملائكة، غير القرين بحفظ الإنسان، وإنما هو موكل به ليهديه، ويرشده بإذن ربه إلى سبيل الخير، وطريق الرشاد، كما أنه قد وكل به القرين من الشياطين، لا يألوه جهدًا في الخبال، والإضلال. والمعصوم من عصمه الله عز وجل، وبالله المستعان. وقال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، والأغر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد، ملائكة يكتبون الأول، فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاؤوا يسمعون الذكر ». وهكذا رواه منفردًا به من هذا الوجه، وهو في (الصحيحين) من وجه آخر. وقد قال الله تعالى: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } [الإسراء: 78] . وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم عن ابن مسعود، عن النبي ، وحدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي في قوله: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } قال: « تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ». ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من حديث أسباط. وقال الترمذي: حسن صحيح. قلت: وهو منقطع. وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي قال: « فضل صلاة الجمع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، ويجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الفجر » يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }. قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت، فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تصبح » تابعه شعبة، وأبو حمزة، وأبو داود، وأبو معاوية عن الأعمش وثبت في (الصحيحين): أن رسول الله قال: « إذا أمن الإمام فأمنوا، فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه ». وفي (صحيح البخاري): حدثنا إسماعيل بلفظ: « إذا قال الإمام آمين، فإن الملائكة تقول في السماء آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه ». وفي (صحيح البخاري): حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن النبي قال: « إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، فإن من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه ». ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من حديث مالك. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد، هو شك يعني الأعمش قال: قال رسول الله : « إن لله ملائكة سياحين في الأرض، فضلًا عن كتاب الناس، فإذا وجدوا أقوامًا يذكرون الله، فنادوا هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون بهم إلى السماء الدنيا. فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟ فيقولون: تركناهم يحمدونك، ويمجدونك، ويذكرونك. فيقول: وهل رأوني؟ فيقولون: لا. فيقول: كيف لو رأوني. فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تحميدًا، وتمجيدًا، وذكرًا. قال: فيقول فأي شيء يطلبون؟ فيقولون: يطلبون الجنة. فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا. فيقول: وكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصًا، وأشد لها طلبًا. قال: فيقول من أي يتعوذون؟ فيقولون: من النار. فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا. فيقول: فكيف لو رأوها. فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها هربًا، وأشد منها خوفًا. قال: فيقول أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: فيقول إن فيهم فلانًا الخطاء، لم يردهم إنما جاء لحاجة. فيقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ». وهكذا رواه البخاري: عن قتيبة، عن جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش به. وقال: رواه شعبة عن الأعمش ولم يرفعه. ورفعه سهيل عن أبيه. وقد رواه أحمد عن عفان، عن وهيب، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي بنحوه، كما ذكره البخاري معلقًا عن سهيل. ورواه مسلم: عن محمد بن حاتم، عن بهز بن أسد، عن وهب به. وقد رواه الإمام أحمد أيضًا عن غندر، عن شعبة، عن سليمان - هو الأعمش - عن أبي صالح، عن أبي هريرة، كما أشار إليه البخاري - رحمه الله - وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، وابن نمير، أخبرنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقًا يلتمس به علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه ». وكذا رواه مسلم، من حديث أبي معاوية. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، عن رسول الله قال: « ما اجتمع قوم يذكرون الله، إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده ». وكذا رواه أيضًا من حديث إسرائيل، وسفيان الثوري، وشعبة، عن أبي إسحاق به، نحوه. ورواه مسلم من حديث شعبة، والترمذي، من حديث الثوري، وقال: حسن صحيح. ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن آدم، عن عمار بن زريق، عن أبي إسحاق، بإسناد نحوه. وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة وفي (مسند) الإمام أحمد، والسنن عن أبي الدرداء مرفوعا: « وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، رضًا بما يصنع » أي: تتواضع له، كما قال تعالى: { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } [الإسراء: 24] . وقال تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 215] . وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال: « إن لله ملائكة سياحين في الأرض، ليبلغوني عن أمتي السلام ». وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري، وسليمان الأعمش، كلاهما عن عبد الله بن السائب به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله : « خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ». وهكذا رواه مسلم عن محمد بن رافع، وعبدة بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق به. والأحاديث في ذكر الملائكة كثيرة جدًا، وقد ذكرنا ما يسره الله تعالى، وله الحمد.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|