الوقفة الثامنة عشرة
عن طلب العلم على أيدي علماء أهل البدع والأهواء حتى ولو كان علم العربية من نحو وصرف وبلاغة وفي حال السعة والاختيار ووقت الدراسة النظاميةوصور مناقشة ومجادلة الطالب السني للمدرس المبتدع إذا تكلم في ما يخالف العقيدة
إذ قال – رحمه الله – في شرحه على كتاب "حلية طالب العلم" (ص173) عقب قول الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - :
[وعن مالك - رحمه الله تعالى - قال: (لا يؤخذ العلم عن أربعة:
سفيه يعلن السَّفَه وإن كان أروى الناسِ، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه
ومن يَكْذب في حديث الناسِ، وإن كنت لا أتَّهِمُه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يُحَدِّث به).
فيا أيها الطالِب إذا كنت في السَّعة والاختيار فلا تأخذ عن مبتدعٍ: رافِضِيٍّ أو خارجيٍّ أو مُرْجِئٍ أو قَدَرِيٍّ أو قُبُورِيٍّ... وهكذا
فإنك لن تَبْلُغ مَبْلَغ الرجالِ صحيح العَقْدِ في الدين متين الاتصال بالله صحيح النظر تَقْفُو الأثر إلا بهجر المبتدعة وبدعهم].
((والذي يعلم من كلام الشيخ - رحمه الله ووفقه الله - أنه لا يؤخذ عن صاحب البدعة شيء
حتى فيما لا يتعلق ببدعته, فمثلاً إذا وجدنا رجلاً مبتدعاً لكنه جيد في علم العربية: البلاغة والنحو والصرف
فهل نجلس إليه ونأخذ منه العلم الذي هو موجود فيه أو نهجره؟
ظاهر كلام الشيخ: أننا لا نجلس إليه, لأن ذلك يوجب مفسدتين:
المفسدة الأولى: اغتراره بنفسه، فيحسب أنه على حق.
والمفسدة الثانية: اغترار الناس به، حيث يتوارد عليه طلاب العلم، ويتلقون منه.
والعامي لا يفرق بين علم النحو وعلم العقيدة, لهذا نرى أن الإنسان لا يجلس إلى أهل الأهواء والبدع مطلقاً
حتى وإن كان لا يجد علم العربية والبلاغة والصرف مثلا إلا فيهم, فسيجعل الله له خيراً منهم
لأنا لو نأتي إلى هؤلاء ونتردد إليهم لا شك أنه يوجب غرورهم، واغترار الناس بهم)).
وقال – رحمه الله – في نفس المصدر (ص177) :
((وإن كان المبتدع عنده علوم لا توجد عند أهل السنة ولا تتعلق بالعقيدة كمسائل النحو والبلاغة وما أشبهها فلا تأخذ منه، لأن يتولد من ذلك مفسدتان:
الأولى: اغتراره بنفسه.
والثانية: اغترار الناس به، فالناس لا يعلمون، فلذلك يجب الحذر )). اهـ
وقال – رحمه الله – في نفس المصدر (182) عقب قول الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله – :
[وما ذكرته لك هو في حال السَّعة والاختيار، أما إن كنت في دراسة نظاميَّة لا خِيار لك، فاحْذَر منه، مع الاستعاذة من شرِّه
باليقظة من دَسائسِه على حَدِّ قولهم: (اجْنِ الثِّمَارَ وأَلْقِ الخشَبَةَ في النارِ) ولا تتخاذل عن الطلب
فأخشى أن يكون هذا من التَّولِّي يوم الزَّحف، فما عليك إلا أن تتبيَّن أمره وتتَّقِي شرَّه وتَكشف سِتره].
(هذا احتراز جيد, يعني: أنه قد يُلجأ إنسان إلى الأخذ عن مبتدع, وذلك في الدراسات النظامية
فقد ينُدب إلى التدريس في علوم العربية أو في العلوم أخرى، هو مبتدع، ومعروف أنه من أهل البدع
ولكن ماذا تعمل؟ إذا كنت لا بد أن تدرس على هذا الشيخ، نقول: خذ من خيره ودع شره
إن تكلم أمام الطلاب في العقيدة فعليك بمناقشته إن كنت تقدر على المناقشة، وإلا فارفع أمره لمن يقدر على مناقشته
واحذر أن تدخل معه في نقاش لا تستطيع التخلص منه, لأن هذا ضرر ليس عليك أنت، على القول الذي تدافع عنه
لأنك إذا فشلت أمام هذا الأستاذ مثلاً صار في هذا كسر للحق، ونصر للباطل, لكن إذا كان عندك قدرة في مجادلته فعليك بذلك
وربما يكون في هذا مصلحة للجميع, مصلحة لك أن يهديه الله على يديك, ومصلحة له هو يهديه الله من بدعته)). اهـ
وقال – رحمه الله – في نفس المصدر (ص194) عقب قول الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله – :
[فإذا اشتدَّ ساعدك في العلم فاقْمَع المبتدع وبدعته بلسان الحُجَّة والبيان، والسلام].
((صحيح، إذا اشتد ساعدك في العلم, أما إذا لم يكن عندك العلم الوافي في رد البدعة فإياك أن تجادل
لأنك إذا هُزمت وأنت سُنِّي لعدم قدرتك على مدافعة هذا المبتدع, فهو هزيمة للسنة
ولذلك لا نرى الجواز للإنسان أن يجادل مبتدعاً إلا وعنده قدرة على مجادلته.
وهكذا أيضاً مجادلة غير المبتدعة – الكفار – لا نجادلهم وإلا ونحن نعلم أننا على يقين من أمرنا, وإلا لكان الأمر عكسياً
بدل أن يكون انتصار لنا، لما نحن عليه من دين وسنة , يكون الأمر بالعكس.
ومن ذلك، يعني: قوة الحجة، أن يكون معك من يساعدك, كما قال الشاعر:
لا تخاصم بواحد أهل بيت = فضعيفان يغلبان قوياً.
إذا صار معك أحد فإن حجتك سوف تقوى، لأنه يقمعه من الخد الأيمن، وأنت تقمعه من الخد الأيسر، حتى يضيع)). اهـ