27-03-13, 03:51 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
بيت القصـص والعبـــــــر
أنس عام 1419 وجه كالبدر، وروح كالزهر، لم يجاوز السنتين والنصف، ينعم بدفء والديه، وجديه لأمه، له أخت تكبره بعامين، كان مميزا منذ ولادته، في جماله وفي سمته، كل من رآه أشاد بذلك، طفل لا تتضجر من لعبه، ولا تمل من ملاعبته، في إزعاجه حلاوة، وفي كلامه ملاحة، هكذا كان أنس.. ولكن!... في يوم بدت على جلده بقع بنية اللون، وخَفَتَ نشاطه الطفولي المألوف، وبعد الكشف والتحاليل الكثيرة تبيّن أنه أصيب بمرض (اللوكيميا) سرطان الدم الذي يبدأ من نخاع العظام وينتشر!، قدر الله وما شاء فعل. خفق قلب الوالدين كالطير المذبوح، آلموت اقترب من أنس؟ ولكن باب الرجاء في الله لا يغلق أبدا. وبدأت رحلة العلاج التي استمرت أكثر من أربع سنوات. تعذر على الوالدين إيجاد ثمن العلاج؛ فهو باهظ الثمن، فزراعة النخاع ليست بالأمر اليسير. وكان لابد من واسطة حتى يتمكن أنس من العلاج في مستشفى فيصل التخصصي بالرياض، ولكن تعسر الحصول عليها في أول الأمر. كان لأنس علاقة خاصة بخالته، يفضي إليها دائما بما يحب، يلاعبها وكأنه يلاعب طفلة صغيرة، إن أراد شيئا ذهب إليها، وإن شكى من شيء شكى إليها، ولا غرابة في هذه العلاقة المتينة؛ فقد كان يمضي كثيرا من أيامه في بيت جده، وكانت خالته تحرص على القرب منه واللعب معه. أول ليلة في المستشفى ليلة لا تنسى، عالم جديد يكتنف أنسا، وقد قارب الثلاث سنوات، دخل إلى بهو المستشفى، وعينيه اللامعتين تحملقان في كل شيء حوله، كأنه يقول: ما هذا المكان الكبير؟! لماذا أنا هنا؟! وماذا سأفعل هنا؟! ويصل إلى غرفته التي لا يعلم أنه سيقضي فيها عدة سنوات. دخل إلى غرفته وكانت أمه وخالته بجانبه، وجلس يلهو مع خالته ببعض لعبه، وقد مرت ساعات وخيم الليل وصارت الساعة 10 ليلا وآن وقت انصراف الزوار، وأنس مازال مستيقظا، ولابد أن تذهب خالته دون أن يعلم، تسللت خالته بخفية من الغرفة وهو لا يشعر بها، وهمست لأختها: -حسنا يا أختي يتوجب علي الانصراف الآن. -في أمان الله، واحذري أن يشعر بك أنس فأنا أحاول إشغاله عنكِ. وتغادر نجلاء المستشفى بكل هدوء وبعد 20 دقيقة تصل إلى البيت. ما أن خلعت عباءتها إلا والهاتف يرن. -أهلا -أين أنت يا نجلاء؟ نريدك الآن سريعا! -لماذا يا أم أنس؟ ما لذي حصل؟ -حين علم أنس بذهابك خرج من غرفته وصار يبكي بجنون أريد نجلاء، أين هي؟ أريدها الآن...حتى تجمع أطباء وممرضات القسم علينا!! وصاروا يسألون من نجلاء هذه؟ أحضروها الآن. -لا عليك هي الليلة الأولى وسيعتاد. الكيماوي وما أدراك ما الكيماوي؟؟!! بدأ علاج أنس بإعطائه الجرعات الأولى من الكيماوي إيقافا لانتشار السرطان في جسمه الغضّ، ولكن، الحمد لله، نعم الحمد لله، لقد تساقط شعر رأسه، واصفرّ لون جسمه، وأصيب أنس بتعب نفسي، لكن حاول أهله أن يعوضوه قدر المستطاع، فأغرقوه بالهدايا واللعب، وكلما سنحت فرصة أخرجوه من المستشفى للنزهة على شاطئ البحر. ويبلغ أنس الرابعة والنصف من عمره، تحسنت حالته واعتاد على أجواء المستشفى، فقد كان طفلا اجتماعيا جدا، لم يدع طبيبا في القسم إلا وتعرف عليه، ولا توجد ممرضة في القسم إلا وأحبته، لظرافته وملاحته، بل حتى أطفال القسم نفسه كان هو رئيسهم وقائدهم، اكتسب من الممرضات كلمات أعجمية كثيرة. وعرف كيف يتعامل مع أنبوبة المغذي حين يضعونها له، وكيف يتناول الدواء ومواعيده وجرعات،وعرف كل مخارج ومداخل المستشفى –على سعتها الكبيرة-، فالطابق الأرضي فيه المطعم، والطابق الأول فيه قسم الألعاب للأطفال، وهناك غرفة صغيرة للمطبخ، وفي تلك الزاوية مستودع، كان أنس حين يتجول في المستشفى يتجول وكأنها بيته، غير شيء واحد كان يضجره، وهو عدم وجود منفذ للشمس وللهواء الطلق!. في أحد الأيام: أنس في غرفته وإذ به يسمع طرق الباب، ويُفْتَح بهدوء فإذ بخالته تدخل، فيقفز من سريره مرحبا بها: -نجلاااااااااء اشتقت إليك، (لم يعتد أن يناديها خالة) -وأنا أيضا يا أنوسي، وسنقضي اليوم سويا. قام بصحبة خالته إلى مطعم المستشفى، وكلما مرّ على عامل حياه وابتسم له، ثم اصطحبها إلى غرفة الألعاب، وكان يتوجب على أطفال هذا المرض أن يضع كمامة لضعف مناعتهم، لكن أنس يشاكس أحيانا فيرميها. قام أنس بدعوة أصدقائه في المستشفى الذين جمعهم المرض وجمعتهم الطفولة، عمر، يبلغ 10 سنوات، ترك مقاعد الدراسة إلى السرير الأبيض. ياسر، يبلغ 8 سنوات، وعبدالله يبلغ 7 سنوات. اجتمعوا حول مائدة الغداء التي جهزها أنس في غرفته وبجانبها ألعاب كثيرة. -هيا تفضلوا، بسم الله، وبعد ذلك سنلعب سويا. ابتعد أنس عن المائدة ولم يأكل؛ فقد كانت شهيته ضعيفة جدا، يحمل همّا أكبر من عمره. كثيرا ما كان يبكي ضجرا من المستشفى التي باتت سجنا له، يبكي إذا دخل الطبيب يحمل في يده الإبرة يبكي إذا حان موعد العلاج الكيماوي يبكي ويبكي ويبكي.... الحمد لله الله أرحم به من نفسه. وتدهورت حالته بسبب قلة أكله، فاضطر طبيبه أن يدخل له الطعام بطريق آخر، فقاموا بتركيب أنبوب في فتحة من حلقه، خضع لهذه العملية، وقد كان منظر الأنبوب وهو مدلىً من حلقه مفزعا للوهلة الأولى ولكن سرعان ما اعتاد على ذلك. الإجازة من المستشفى كان أنس يخرج من المستشفى بين فينة وأخرى، ويقضي أغلب هذه المدة في بيت جده لأمه لحب هذا الجد الشديد لأنس، اقترح الجد على ابنته أم أنس أن يذهب بأنس لراق شرعي، وذلك أنه تذكر موقفا شك فيه، ففي يوم قبل أن يصاب أنس بالمرض وعمره سنتان كان رجل يحدّ النظر إليه، فارتاب الأب أن يكون الأمر فيه عين، وفعلا ذهب بأنس لراقٍ، ويا للعجب كان أنس يشعر براحة عجيبة كلما ذهب للراقي ويعود وكله نشاط، فصار أنس يسأل: متى موعد الراقي؟ فإذا جاء موعد الذهاب للرقية يكون أنس في أحسن أحواله يذهب ويعود مسرورا جدا. وإذا جاء موعد المستشفى فليس لديه سوى البكاء والصراخ. تذهب أم أنس للمستشفى وإذ بها ترى غرفة عبدالله الطفل ذو 7 سنوات ترى زحاما وتسمع بكاء أمه، تذهب للغرفة، تنظر،،، تسأل،،، وإذ بعبدالله يموت ويرحل إلى ربه في كفالة نبي الله إبراهيم ! تغشّاها شيء من قطع الليل، ولكن رحمة الله واسعة. -أحسن الله عزاءك أم عبدالله، وبإذن الله يكون عبدالله شفيعا لك ولأبيه. -جزاك الله خيرا يا أم أنس، ولا أراك مكروها في عزيز. لكن تصاب أم أنس بإغماءة، فقد كانت مرهقة بسبب صحبتها لابنها وما يتبع ذلك من إرهاق نفسي، وزاد عليها هذا الخبر تعبا آخر، كأنها تحدث نفسها بأن أنس سيكون مصيره مثل عبدالله. حكاية: جلس أنس على أرضية الغرفة يلعب وخالته تحكي له حكاية العنزات الثلاث والوحش: "كان في قرية عنزات ثلاث، صغيرة وكبيرة ووسط، ولابد أن تعبر هذا الجسر لتصل إلى المرعى، ولكن الجسر يختبئ تحته وحش.. (يلتفت أنس بجسمه كله لخالته، وحش!!) مرت العنزة الصغيرة فوق الجسر، تك تك تك تك، (يضحك أنس ويقلد مشيتها برفق) ويخرج الوحش ليأكلها، فتقول له: أرجوك لا تأكلني فأنا صغيرة وهزيلة كما ترى ولن أشبعك، فانتظر من ورائي، فهي أسمن مني، قال: حسنا، هيا انطلقي. ومرت العنزة الصغرى، طق طق طق طق ، ويخرج الوحش، فتقول: مهلا، إن خلفي عنزة كبيرة جدا ستكفيك وتشبعك فأرجوك أن تتركني، حسنا، انطلقي. وتأتي العنزة الكبيرة، طج طج طج طج، (تتسع عينا أنس ) فيخرج الوحش يريد افتراسها، فتدفعه بقرنيها الكبيرين وتلقيه في النهر ليلقى حتفه. يضحك أنس بعمق ويلح بشدة على خالته: أعيديها أيضا، هيا. وتعيد القصة مرة ومرة ومرة حتى يغشى النوم عينيه الجميلتين. عمر: وبعد فترة غير قصيرة من وفاة عبدالله، يأتي إلى أنس نبأ وفاة رفيقه عمر الذي طالما لعبا سويا، لم يكن أنس يدرك من معنى الموت سوى أنه فراق أبدي، تغشاه حزن وكآبة لفقد أصدقائه، ولكن سرعان ما ينسيه ألمُ المرض ألمَ الفراق. وفي أحد الأيام وأنس وخالته في الغرفة، كانت خالته تتكئ على الأريكة كاشفة رأسها، وإذ بالباب يطرق ويفتح سريعا، فيقول أنس في لهفة، وعينه على الباب: -نجلاء غطي وجهك بسرعة الطبيب سيدخل. تسرع نجلاء وتتلفع بحجابها ويدخل الطبيب. -كيف حالك يا أنس؟ -الحمد لله. (ويلاحظ الطبيب آثار الضجر على وجهه) -ماذا بك؟ -لقد سئمت الأدوية والمستشفى وأريد أن أخرج. -ستخرج قريبا بإذن الله لكن لابد من العلاج، هيا ناولني يدك. -لا لا لا أريد أبرة أرجوك كفى ألما، كفى. ويبدأ أنس في البكاء والصراخ وهو يحاول أن يبعد الطبيب عنه. وتأتي نجلاء لتمسك أنس وتهدئ من روعه وتسمي عليه. شعرت نجلاء أن بكاءه هذه المرة لم ينبعث من ألم الجسد بل من ألم الروح. صار الاكتئاب يصاحب أنسا كثيرا. قارب أنس سن السابعة، وهو موعد التسجيل في المدرسة، كان أبواه يحملهما جناح الأمل، وأن أنسا يوما سيخرج من المستشفى خروجا نهائيا ليكمل حياته كبقية الأطفال. نعم قريبا سيخرج خروجا نهائيا!. قام أبو أنس بإعداد أوراق التسجيل وذهب لمدارس الثغر وتم تسجيل أنس بين طلاب السنة الأولى الابتدائية لعام 1422 وذات يوم خرج أنس من المستشفى، وكعادته ذهب لبيت جده، كانت حالته النفسية سيئة جدا، جلس بجانب خالته، مع حقيبته التي امتلأت بلعبه وأدوات الرسم، بعثرها أمامه ثم بكى: -أنس حبيبي! لماذا تبكي؟ -نجلاء، أنا مللت الحياة وأريد أن أموت لأرتاح، نعم أريد أن أرتاح، وأريدك أن تأتي معي هناك... انقبض قلب نجلاء وأسرعت باحتضانه، وقالت: -لا تقل ذلك، فإن ربك رحيم، وكل ما بك هو قدر، والمسلم يرضى بقضاء الله. أخفت دموعها منه، وقامت تلاعبه وترسم معه. لم تنسَ نجلاء تلك الجملة وبات عقلها تلك الليلة يرددها كثيرا (أريد أن أموت لأرتاح) (أريد أن أموت لأرتاح) (أريد أن أموت لأرتاح) وفي صباح السبت قام أنس من نومه ليذهب للمستشفى وكله نشاط وحيوية بشكل غير معهود، فرحت نجلاء كثيرا لتحسن مزاجه، قامت بإعداد الفطور، واغتسل أنس ولبس ثيابه وقام عند باب الشقة يودعها، احتضنها وقال لها: مع السلامة نجلاء... وذهب إلى المصعد فنادته نجلاء: أنس لقد نسيت حقيبتك فعاد مسرعا وقال: دعيها أمانة عندك حتى أخرج. (شيء ما اختلج في صدر نجلاء) أمضى يومه في المستشفى بشكل عادي جدا . وفي صباح الأحد وفي الساعة السابعة دق هاتف البيت: أم أنس: أبي أمي تعالوا بسرعة أنس في العناية المركزة!. ذهب الجدان لا يألوان على شيء. نجلاء تذهب وتجيء أمام الهاتف إذ لم تتمكن من الذهاب معهم لرعاية أخيها الصغير. ويدخل أخوها الكبير إلى البيت مكفهر الوجه، هابت أن تسأله عن أنس، كأنها لا تريد أن تسمع ما يسوؤها، وإذ الخبر ينزل عليها كالصاعقة: لقد مات أنس... وقبل أن تتكلم بشيء يدق هاتف البيت مرة أخرى، ترفع السماعة بلهف أملا أن يكون الخبر الذي سمعته غير صحيح، أو ربما أنها لم تسمع جيدا - طمئنوني ما الذي حصل لأنس؟ هل هو بخير؟ لقد فارقت الروح الغضة ذلك الجسد المنهك، ولحق بأقرانه، وهو الآن في كفالة إبراهيم لقد مات أنس ! - يا الله! إنا لله وإنا إليه راجعون. صوته يقرع أذنها وهو يقول: (أريد أن أموت لأرتاح) -يا إلهي! هل قالها أنس موقنا بها؟ هل كان يشعر فعلا أنه سيموت؟! تذهب نجلاء وتحتضن حقيبته التي تفوح منها رائحة الطفولة التي جعلها أمانة عندها. ما بعد أنس: بعد فترة من وفاته، حين بدأ العام الدراسي الجديد ذهب الأب للمدرسة ليسحب أوراق التسجيل وكله ألم، ولسان حاله: الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون. وبعدها بفترة جاء الخبر الذي كان ينتظره الأبوان بلهفة: ((لقد أتيح لأنس أن يُعالَج في مستشفى التخصصي بالرياض)) !!! كأن أنسا يقول: قد أغناني الله بجنات ونهر. تألق
HksL j[vfm rwwdm ehkdm
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
31-03-13, 03:09 PM | المشاركة رقم: 2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
تألق
المنتدى :
بيت القصـص والعبـــــــر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
31-03-13, 07:09 PM | المشاركة رقم: 3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
تألق
المنتدى :
بيت القصـص والعبـــــــر
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
03-04-13, 08:49 PM | المشاركة رقم: 4 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
تألق
المنتدى :
بيت القصـص والعبـــــــر
أليييمة ،،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
02-05-13, 08:05 PM | المشاركة رقم: 5 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
تألق
المنتدى :
بيت القصـص والعبـــــــر
جزاك الله خيرا وزادك الله من فضله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|