27-04-13, 12:54 PM
|
المشاركة رقم: 1
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
عضو |
الرتبة |
|
البيانات |
التسجيل: |
Dec 2011 |
العضوية: |
6477 |
المشاركات: |
2,721 [+] |
الجنس: |
انثى |
المذهب: |
سنية سلفية |
بمعدل : |
0.58 يوميا |
اخر زياره : |
[+] |
معدل التقييم: |
21 |
نقاط التقييم: |
304 |
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
البيــت العـــام
بقلم/ سليمان التهامي
يكاد الناس - على اختلاف أديانهم وأجناسهم، وبيئاتهم وثقافاتهم - يُجمعون على أن الآداب الإسلامية هي خلاصة الآداب الإنسانية في تطوُّراتها المختلفة، فما من أدبٍ حسنٍ، أو خُلق كريم، أو فضيلة معروفة، أو سلوكٍ محمود، ارتَسم على صفحة الحياة الإنسانية مُظهرًا لأدب فردٍ أو جماعة أو أُمة، أو خلَّد في سِجل البشرية أثرًا لسلوك فردٍ أو جماعةٍ أو أُمة، أو تواضَع عليه بنو الإنسان رمزًا حيًّا لتفكير فرد أو جماعة أو أُمةٍ - ما يكون شيء من ذلك إلا ثُمالة في إناء الأدب الإسلامي، أو قطرة في هذا المحيط الواسع الذي هو حياة القلوب، وطُهر النفوس، والمودة الخالصة التي تستقر بين حنايا الصدور.
فالآداب الإسلامية تَحظى بتقدير الأكثرية الساحقة من أهل الأرض، ومَبعث هذا التقدير راجع في رأيي إلى سموِّ أدب المُشرع لهذه الآداب - صلوات الله عليه - واتِّصافه بسائر الفضائل، وبراءة نفسه من نقائص الفطرة،
وراجع كذلك إلى أن الآداب الإسلامية تُلائم مُقتضيات الطبيعة البشرية إلى المدى الذي يَصونها من نزوات الطبائع، ويُزوِّدها بمحاسن الشِّيَم، ويَصرف قواها في سبيل النفع العام.
وعلى ضوء هذا نستطيع أن نُدرك ما هدَف إليه النبي - صلوات الله عليه - بقوله: ((إنما بُعِثت لأُتَمِّم مكارم الأخلاق))، وأن نُعلن أن آداب بني الإنسان لم تكن مُتمتِّعة بخصائص الكمال قبل أن ترى الدنيا وجهَ الدعوة الإسلامية، وقبل أن يُدوِّي في أُذن الحياة صوت الداعي الأعظم محمد بن عبدالله - - وهل كانت الآداب المعروفة إلا مظهرًا للعقائد الإنسانية؟! وهل كانت العقائد إلا خليطًا من شرائعَ حقَّةٍ وأخرى من صُنع الإنسان؟!
فحيث أشرق نور العقيدة الصادقة، وضَحت لعين الوجود معالم الآداب والأخلاق والفضائل على صورة من الكمال لم يَعرفها الإنسان الأول؛ وإنما عرَفها مَن هُدِي إلى الإسلام، ومن عاش في كنَفه مُستظلاًّ بلوائه من غير المسلمين، وستبقى معروفةً لبني الإنسان ما داموا يَعرضون بأعمالهم على صفحة الوجود ألوانًا من الآداب والسلوك والشِّيَم.
قد يرى بعض المتأثرين بآداب الغرب أننا نَعدو الحق حين نرفع من شأن الآداب التي شرَعها الإسلام، مدفوعين إلى ذلك بألوان الثقافات الجديدة، والآداب المستحدثة، والآراء الغريبة عن البيئة الشرقية الإسلامية، وهو رأي يَنقضه الحقُّ، ولا تُؤيِّده حوادث التاريخ.
إن الآداب الإسلامية أساس سلامة النفس والجوارح، فالإنسان الذي أُشرِبت نفسه حبَّ هذه الآداب، وقُيِّدت جوارحه عند حدودها - إنسان استكمَل عناصر التهذيب والرشد، وليست الحضارة العصرية مَهيضة الجناح، مُهدَّدة بالدمار؛ لأن الوسائل الصحيحة تَنقصها، بل لأنها من صُنع إنسان فقَد في حياته أدبَ النفس وأدب الجوارح، وفقَد تبعًا لذلك القوى الحيوية التي يَرتكز عليها بناء الحضارة في بني الإنسان جميعًا.
ذلك أن النفس الإنسانية تُصاب بالضَّعف إذا عَرِيَت من الأدب، وعُطِّلت من حِليته، وسَدِرت في الغَواية، تَرشِف من المناهل المُردية، وتَعُب من الموارد المهلكة، وتَملِك أسباب القوة إذا استمسَكت بعُرى الآداب الفاضلة، وجنَحت إلى هداية العقل الرشيد، وقد مثَّل الأدب صورة العقل، فصَوِّر عقلك كيف شِئت، وقال ابن المقفع: "ما نحن إلى ما تَقوى به حواسُّنا من المطعم والمشرب، بأحْوَجَ منَّا إلى الأدب الذي هو لقاح عقولنا"، وقال بعض البلغاء: "مَن قوِي على نفسه، تناهى في القوة".
إنني لا أجد ما يُهدِّد المدنية الحاضرة ويُصيب كبدها، ويُزلزل قواعدها، كما يُهدِّدها ذلك الانحلال الخلقي الذي استشرى في كلِّ بيئة، وطغى على كل هيئة، وامتدَّ إلى سائر الشعوب، لا فرق بين الشعوب الإسلامية وغيرها.
فهل تجد عند المفتونين بالثقافات والآداب الأجنبية عِصمة من هذه الرواجف؟! وهل كانت الحضارة الإسلامية في أوْج عزِّها ومجدها، تتعثَّر في هذا الانحلال المُروِّع كما تتعثَّر المدنية الحاضرة؟!
هَيْهات أن نجد عند أحدٍ - من العلم والمعرفة، والتجربة والحكمة - ما يُنقذ المدنية من هذا العِثار، وذلك في الوقت الذي يقرِّر فيه جميع العقلاء أن الحضارة الإسلامية كانت المثال الصادق لسائر الحضارات التي عرَفها الإنسان.
رسَم الإسلام لبني الإنسان النَّهج الذي يَنهجونه في مختلف أطوار حياتهم، ومُتبايَن أنواع روابطهم وصلاتهم وبيئاتهم، رسَم للطفل آدابًا في طفولته تَقوم عليها تَنشئته، وللشاب آدابًا في شبابه تُصان بها نَضارته، وللرجال آدابًا تتحقَّق معها تجاربهم في الحياة، وتَبرُز في ظلالها مواهبُهم وقواهم النافعة، وللنساء آدابًا يَستكمِلْنَ العفاف والصَّون في مجالها، وكما رسَم للفرد آدابًا، رسَم للأُسَر والجماعات والشعوب آدابًا؛ تَدعَم روابطها، وتَزيد في إنتاجها للخير العام، وتُنظِّم علائقها مع الله ومع بني الإنسان على سواء.
إن الباحث المُنصف ليأخذه العجب حين يرى أن الإسلام أحاطَ النفس الإنسانية بسياجٍ من الآداب؛ تَستمد منها القوة في دنيا العمل، وتقتضي عليها المثوبة في دار الجزاء، فللعقائد آدابٌ، وللعبادات آداب، وللمعاملات آداب، لو تأدَّب بها الإنسان على وجهها الصحيح، أفادَته في علائقه بخالقه وبالمخلوقين.
قد يكون من الحق أن تُقرِّر أن الأديان التي سبَقت الإسلام، زوَّدت أتباعها بزادٍ من الآداب، لا يُستطاع الغضُّ من قدره، وأن المفكرين في جميع الشعوب اصطَلحوا على طائفة من الآداب استَحسنوها وتوارَثتها شعوبهم بعامل التقليد؛ كمواضعات الخطاب، وهيئات اللباس مثلاً، ولكن ذلك لم يكن فيه الغناء لرغائب الإنسان ومطالبه، ولم يكن معه الكفاية في قضاء مصالحه المتشابكة، وتحقيق روابطه المختلفة بالقدْر الذي حقَّقه الدين الإسلامي في هذه الناحية الهامة.
إن الإسلام توسَّع في هذه الناحية، حتى يمكن القول من غير إسرافٍ: إنه وضَع للمشاعر التي يَستجيب لها وِجدان الإنسان، والخواطر التي تَخطُر له، والأفكار التي تتوارَد على فؤاده آدابًا؛ ذلك أنه لم يَدَع جانبًا من الجوانب التي يكون لحيوية الإنسان مجالٌ فيها، من غير أن يَستنَّ له الآداب التي تُلائمه، وتظهر كرامته، وتَرعى مصالحه.
فهناك أدب الإنسان مع الله ورسوله، وأدَبه مع قرابته وذوِي رَحمه، وأدبه مع جيرانه وأصدقائه ومواطنيه، وهناك أدبه في نومه ويقَظته، وظَعْنه وإقامته، وحديثه ومجلسه، وأكْله وشُربه ومَلبسه، وهناك أدب الراعي والرعية، وأدب الحاكم والمحكوم، وأدب المعلم والمتعلِّم، وآداب أصحاب المِهَن والحِرف على اختلاف طوائفهم وبيئاتهم، وهناك أدبُ الدين والدنيا، وأدب الحرب والسِّلم، وأدب السياسة والحكم، وأدب اللسان والقلم.
كلُّ ذلك في شرائع الآداب الإسلامية، وهو يدل دَلالة قاطعة على أن الإسلام عُني بالآداب الإنسانية عناية لم يُسبَق إليها، وعُني بتهذيب الإنسان؛ ليظهر في الإهاب الإنساني الرفيع، وليحقِّق الحكمة السامية من استخلافه في هذه الأرض.
وبعدُ، فلم يكن همي أن أقدِّم للقارئ في هذا المقال زهرة من دَوحة الآداب الإسلامية، ولكني رأيت أن أُجلي له صورة رائعة يَشهد فيها جلالَ هذه الآداب وسموَّها وسَماحتها وأثرَها في محيط الحياة الخاصة والعامة، ويَعرفه على حقيقتها؛ ليَستيقن أن الإسلام جعلها منارًا يَهتدي به السالك، ويَأمَن في جانبه الخائف، ولن يَضير الإسلامَ أن يَنحرف المسلمون في هذا العصر عن مواطن الهداية، وأن يَنزلقوا بآدابهم الزائفة في مزالق الغَواية، فما هم بحُجَّة على الإسلام!
ونظرة واحدة إلى تاريخ الجماعة الإنسانية، تُبيِّن أن سلوك الفرد أو الجماعة أو الأمة، يَتداوله التدرُّج والتحوُّل والنقص والكمال، كسائر السُّنن الكونيَّة تمامًا، فإذا كان ما عليه المسلمون اليومَ لا يمثِّل حقيقة الآداب الإسلامية، فإن الواجب ألاَّ يُنظَر إلى سلوكهم الحاضر، بل يُنظَر إلى قيمة هذه الآداب في ميزان التقدير النزيه، ويُنظَر إلى سلوك الجماعة الإسلامية الأولى وهي مترسِّمة هدْي هذه الآداب، ويُنظَر إلى الحضارة الإسلامية الزاهرة وقد قامت عُمُدها على سواعد المتأدِّبين بها، وبهذا يمكن القول: إن الآداب الإسلامية هي صورة رائعة للخُلق الإنساني في مراحل تطوُّره ومختلف عصوره.
توقيع : أم الشهيد السلفية |
موت الأحبة و رحيلهم يدمي و يؤلم القلوب ,
و يدمع العيون , ويضعف النفوس..
فما لذة الحياة إلا مع من نحب
ومن نرتاح لهم,أولئك
الذين نسعد إذا حضروا و نشتاق إذا رحلوا ..
اللهم ارحم موتى المسلمين.. |
|
|
|