بيت الـلـغـة العــربـيـة هنا لغة العقيدة، وسياج الشريعة، وهوية كل مسلم |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
06-06-13, 09:39 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
بيت الـلـغـة العــربـيـة
د. جمال عبدالعزيز أحمد في المصحف الشريف علاماتٌ للوقف، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمعاني النحوية والمعاني الدلالية، وكلُّها يدور حول مراعاة تمام المعنى وصحته، ودفع اللَّبْس، والتمييز بين المعاني المتداخلة وجهات الكلام. وسوف نورد - فيما يأتي - تعريفًا بكل رمزٍ من رموز الوقف، ونعقبه بدراسة نحوية لكلٍّ منها: أولاً: الوقف اللازم ورمزه "م". وهو الوقفُ على كلمةٍ لو وصلت بما بعدها لأوهَمَ وصلُها معنًى غير المراد، ويكون هذا الوقف في وسط الآية، وفي آخرها، وسمِّي الوقفُ على هذه المواضع وما شاكلها لازمًا؛ للزومِه وتحتُّمِه، من أجل سلامةِ المعنى، وحُسن التلاوة، وإحكام الأداء[1]. ويأتي هذا الوقفُ للتمييز بين أشكال الكلام المختلفة، ولإزالة اللَّبس بينها، والفصل بين جهات الكلام؛ كالتمييز بين كلام الله - عز وجل - وكلامِ الكفار؛ كقوله - تعالى -: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًاۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾ [البقرة: 26]. فالوقفُ اللازم على ﴿ مَثَلاً ﴾ ليفصلَ بين كلام الكفار، وكلام الله - عز وجل - وتكون جملة: ﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ﴾ جملة مستأنفة، ولو وُصِل الكلامُ لكانت صفة لـ: ﴿ مَثَلاً ﴾، ولأفادَتْ أنه مِن كلامِ الكفَّار، وهو غيرُ صحيح[2]. ومنه قوله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍۘ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [المائدة: 73]. فالوقف اللازم على ﴿ ثَلاَثَةٍ ﴾ يميِّز بين قول النصارى القائلين بالتثليثِ، وقول اللهِ - سبحانه وتعالى - ردًّا لقولهم، ولو وصل الكلام لأوهم أن يكونَ ذلك مِن كلامهم، فيؤدي إلى التناقض، والواو على الوقفِ اللازم تُشعِر بالاستدراك؛ لأن ما بعدها عكس حُكْمِ ما قبلها. ومن ذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]. فالوقف اللازم على ﴿ رُسُلُ اللَّهِ ﴾ يفصِلُ بين كلامينِ؛ كلام الكافرين (كفَّار قريش)، وكلام الله عز وجل، وجملة:﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124] تُعَدُّ ابتدائية، ولو وصل الكلام لكان هذا من تتمَّةِ قولهم، فيؤدي إلى فساد المعنى، وهو الجمعُ بين ما يدلُّ على الكفر، وما يدل على الإيمان. ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يونس: 65]. فالوقف اللازم على ﴿ قَوْلُهُمْ ﴾ يدفعُ إيهامَ أن ما بعده مِن قولهم، وإنما الصحيح أنه من قول الله - سبحانه وتعالى - وعليه فجملة: ﴿ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ ابتدائيةٌ، ولو وصل الكلام لكانت الجملةُ في محل نصب مفعول به للقول، فيترتب عليه الجمعُ بين متناقضين، وهما الكفر والإيمان[3]. ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُۘ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾ [آل عمران: 7]. فالوقفُ اللازم على لفظ الجلالة ﴿ اللَّهُ ﴾ يمنَعُ وهم أن الراسخين في العلم يعلمون تأويلَه، وهو رأي الجمهور[4]، وعليه فالواو استئنافية، ﴿ الرَّاسِخُونَ ﴾ مبتدأ، مخبَرٌ عنه بـ: ﴿ يَقُولُونَ ﴾، وعلى الوصل تكونُ الواو عاطفةً، و﴿ الرَّاسِخُونَ ﴾ معطوفًا على لفظ الجلالة، وجملة ﴿ يَقُولُونَ ﴾ حالاً منهم، وقد ذهب إلى هذا قلةٌ مِن أهل العلم[5]. ومنه قوله - تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْۘ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [المائدة: 5]. فالوقف اللازم - في بعض طبعات المصحف - يمنع اللَّبسَ الواقع من عطف ﴿ الْمُحْصَنَاتُ ﴾ على ﴿ طَعَامُكُمْ ﴾؛ لأنه يؤدي إلى مخالفة الحُكم الشرعي، وهو تحليلُ المحصنات من المؤمنات لأهل الكتاب، ولكن الوقفَ يجعل الجملة مستأنَفة، ويكون خبرُ ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ ﴾ محذوفًا، تقديره: "حلٌّ لكم كذلك إذا آتيتموهن أجورهن...."، أو يكون قوله: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ ﴾ معطوفًا على قوله: ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾، وتكون جملة ﴿ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾ مقحَمة بين المتعاطفين، وقيل: ﴿ الْمُحْصَنَاتُ ﴾ معطوفٌ على ﴿ الطَّيِّبَاتُ ﴾؛ فهو من عطف المفردات، من عطف الخاصِّ على العام، وهو وجه حسَنٌ أيضًا[6]. ومن الوقف اللازم أيضًا - واللَّبس فيه واقع في حرفٍ مثل الواو، فلا يتميز كونُها استئنافية أو عاطفة إلا به - قولُهُ تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواۘ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [البقرة: 212]. فاللَّبس واقع في الواو؛ حيث يتطرَّقُ إلى القارئ وهمُ أنها عاطفة إذا وصلها، ويؤدي إلى الفساد في المعنى بتقييد سخرية الكافرين مِن الذين آمنوا والذين اتقوا بالحال ﴿ فَوْقَهُمْ ﴾، وبالظرف ﴿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾، وليس هذا هو المرادَ، بل المرادُ أنهم يَسخَرون منهم في الحياة الدنيا، وأن الذين اتَّقوا فوقهم يوم القيامة، فالوقف اللازم على ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ يترتَّبُ عليه أن تكونَ الواو استئنافيةً لا عاطفة[7]. وقد يكون الوقفُ اللازم لإزالة اللبس، ولدفع الوهم الحاصل في موقع الجملة؛ ففي قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌۘ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [النساء: 171]. الوقف اللازم على ﴿ وَلَدٌ ﴾ يمنع إيهامَ أن الولد الذي نُزِّه عنه - عز وجل - موصوفٌ بأن له ما في السموات وما في الأرض، ويثبت أن هذه الصفةَ لله - سبحانه وتعالى - وحده، والجملة على هذا استئنافيةٌ لا محلَّ لها من الإعراب، ولو وصل الكلام لكانت الجملةُ في محل رفع لـ: ﴿ وَلَدٌ ﴾، ويؤول هذا إلى اختلال المعنى، ووقوع اللَّبْس، وإثبات ولدٍ ليس له ما في السموات وما في الأرض[8]. وقد يكون الوقفُ اللازم لإزالة اللَّبس الحاصل في الفاعل؛ فمن ذلك قوله - تعالى -: ﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [العنكبوت: 26]. فالوقف اللازم على ﴿ لُوطٌ ﴾ يزيل اللَّبس في الفاعل بين ﴿ آمَنَ ﴾ و﴿ قَالَ ﴾، فيجعل لكل فعلٍ فاعلاً مستقلاًّ؛ فالذي ﴿ آمَنَ ﴾ هو ﴿ لُوطٌ ﴾، والذي قال: ﴿ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ﴾ هو إبراهيمُ - - والوصلُ يوهم أن الفاعلَ واحدٌ، وخاصة أن الفاعل في ﴿ قَالَ ﴾ ضميرٌ مستتر، والأصل أن "الضمير يعود على أقرب مذكور". ومنه قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَۘ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [الأنعام: 36]. فالوقف اللازم على ﴿ يَسْمَعُونَ ﴾ يدفع وهم أن الواو بعده عاطفة؛ لأن هذا يؤدي إلى التناقض، وهو التسوية بين الأحياء والموتى في الاستجابة، أما الوقف، فيجعل الواو استئنافية، ويكون ﴿ الْمَوْتَى ﴾ مبتدأ مخبَرًا عنه بقوله: ﴿ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ﴾، وهو المراد[9]. وقد يكون اللَّبس في التركيب واقعًا في صيغة الفعل، فيختلط على القارئ كونه للأمر أو للمضارع، ومن ذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُواۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]. فالوقف على ﴿ تَعْتَدُوا ﴾ يدفع إيهام عطف فعل الأمر ﴿ تَعَاوَنُوا ﴾ على المضارع ﴿ تَعْتَدُوا ﴾؛ بل هو معطوفٌ على النهيِ المتقدِّم في صدر الآية. وقد يكون اللَّبسُ واقعًا في الجملة بين كونها صفةً، وكونها استئنافية؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَۘ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ ﴾ [هود: 20]. فالوقف اللازم على ﴿ أَوْلِيَاءَ ﴾ يمنع إيهامَ أن جملة ﴿ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ صفةٌ لقوله: ﴿ أَوْلِيَاءَ ﴾، ويفيد نفي الأولياء مطلقًا، وأن جملة ﴿ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ استئنافية مستقلَّة عما قبلها. وهكذا يتبين أن الوقفَ اللازم يميز بين المعاني الملتبسة، والصور المتداخلة، كما أنه يحقق سلامة المعنى وحسن الأداء، وهو مرتبط في كل ذلك بالمعاني النحوية، والتوجيهات الإعرابية. ثانيًا: الوقف الممتنع أو القبيح، ورمزه "لا": ويعني الوقف الذي لا يفهم السامعُ منه معنى، ولا يستفيد منه فائدةً يحسُن سكوتُه عليها؛ لشدة تعلُّقه بما بعده من جهتي اللفظ والمعنى معًا. ويلاحظ أن هذا الرمز "لا" يأتي غالبًا في المواضع التي تكونُ فيها الجمل مكتملة الأركان من حيث الظاهر، ولكنها ليست في الحقيقة مستقلةً في المعنى، وإنما متعلقة بما بعدها، ومن ثم يأتي هذا الوقفُ لمنع الفصل بين القَسَم وجوابه مثلاً؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 145]. فلا يجوز الوقفُ على ﴿ الْعِلْمِ ﴾؛ لأنه يؤدي إلى الفصل بين القَسَم وجوابه، فهذا من نوع الوقف القبيح، وإنما نص العلماء على هذه الكلمة دون غيرها؛ لأن القارئَ قد يستسيغ الوقف هنا لطول التركيب، أو لاستيفاء الجملة الصغرى أركانَها النَّحْوية، فيأتي هذا الرمزُ بمثابة التنبيه له إلى مراعاة عدم الوقف. ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ﴾ [النحل: 38]. فالرمز "لا "على ﴿ أَيْمَانِهِمْ ﴾ ينبِّه القارئ إلى مجيء الجواب بعده. وقد يكون الرمز "لا" موضوعًا لمنع الفصل بين الصفة والموصوف، كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾ [الأعراف: 164]. فإن الرمز "لا" يشير إلى منع الوقف على ﴿ قَوْمًا ﴾؛ لئلاَّ يفصل بين الصفة وهي جملة ﴿ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ ﴾، والموصوف وهو ﴿ قَوْمًا ﴾؛ ولأن ذلك يؤدي إلى فساد المعنى، وهو أنهم عُوتِبوا لأنهم يعظون قومًا، وليس هذا هو المراد، بل المراد أنهم عُوتِبوا لأنهم وعظوا قومًا لا رَجاء منهم. وقد يكون الرمز "لا" موضوعًا لمنع الفصل بين المبتدأ والخبر كما في قوله - تعالى -: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]. فالرمز "لا" موضوع عند ﴿ مَعَهُ ﴾؛ وذلك لأنه مظِنة الوقف؛ نظرًا لطول التركيب، وهو أمر غير جائز؛ لمجيء خبر المبتدأ بعده، وهو ﴿ أُولَئِكَ ﴾. وقد يُوضَع الرمز "لا" لمنع الفصل بين الحال وصاحبها، كما في قوله - تعالى-: ﴿ هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 76]. فإن الرمز "لا" يشير إلى منع الوقف على "بالعدل"؛ لئلاَّ يترتب عليه الفصل بين الحال وصاحبها، وهو يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، ولأنه به تتم المعادلة أو التسوية بين الرجلين، فالأبكم لا يقدر على شيء، وهو كَلٌّ على مولاه، أينما يوجِّهْه لا يأتِ بخير، والآخر يأمرُ بالعدل وهو على صراط مستقيم، فقد أُسنِد إلى الرجل الأول وصفان: أنه ﴿ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ﴾، وأُسنِد إلى الرجل الثاني وصفان مقابلان للسابقين، وهما: أنه ﴿ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾، وهذه تقابل وصف الأبكم بأنه لا يقدر على شيء، والثاني أنه ﴿ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾، وهي تقابل وصف الأبكم بأنه ﴿ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ﴾؛ أي: إنه مشتَّت غير مستقيم. أو يكون عدم الوقف لمنع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه كما في قوله - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 51، 52]. فالرمز "لا" على ﴿ فِرْعَوْنَ ﴾، يشير إلى منع الفصل بين المعطوف، وهو ﴿ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾، والمعطوف عليه، وهو ﴿ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾؛ حتى يتوجَّه الإخبار بالفعل ﴿ كَفَرُوا ﴾ إليهم جميعًا، أما الوقف على ﴿ فِرْعَوْنَ ﴾ فيفيد توجُّه هذا الإخبار إلى ﴿ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ فقط. ومنه قوله - تعالى -: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: 53]. فالرمز "لا " على ﴿ بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ يشير إلى منع الفصل بين المعطوف، وهو ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾، والمعطوف عليه، وهو ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً... ﴾، وهو أيضًا يشعر بتمام الكلام؛ لأن الجملة عنده قد طالت، وتم معناها، إلا أن لها تعلقًا بما بعدها؛ فلذلك حسُن الوصلُ، ولم يحسُن الابتداء بما بعده؛ لأن "أنَّ" المفتوحة لا تأتي في أول الكلام. ومنه قوله - تعالى -: ﴿ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ ﴾ [المائدة: 106]. فالوقف الممنوع عند ﴿ قُرْبَى ﴾، وهو يشير إلى منع الفصل بين المعطوف عليه، وهو ﴿ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا ﴾، والمعطوف، وهو ﴿ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ ﴾، وإنما احتِيج إلى التنبيه على ذلك لإقحام إن الشرطية بينهما، وهي ﴿ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا... ﴾. ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3]. فالرمز "لا" على ﴿ الْمُشْرِكِينَ ﴾ يُشِير إلى منع الفصل بين المعطوف عليه وهو الضمير المستتر في ﴿ بَرِيءٌ ﴾، أو محل ﴿ أَنَّ ﴾ واسمها من جهة، والمعطوف وهو ﴿ وَرَسُولُهُ ﴾ من جهة أخرى، أما الوقف، فإنه يؤدِّي إلى أن يكون المبتدأ ﴿ رَسُولُهُ ﴾ خاليًا عن الخبر. وقد يكون لمنع الفصل بين البدل والمبدل منه، كما في قوله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾ [التوبة: 25]. فالرمز "لا" على ﴿ حُنَيْنٍ ﴾ يشير إلى منع الفصل بين البدل ﴿ إِذْ ﴾، والمبدل منه وهو ﴿ يَوْمَ حُنَيْنٍ ﴾؛ وذلك لأنهما مترابطان في المعنى، أما الوقف، فإنه لا يُفِيد سبب تخصيص ﴿ يَوْمَ حُنَيْنٍ ﴾ بالنصر، إنما تأتي هذه الفائدة من مجيء البدل بعده ووصل الكلام. أو لمنع الفصل بين الفعل وفاعله، ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ [الأنفال: 50]. فالرمز "لا" يشير إلى منع الوقف؛ لئلاَّ يفصل بين الفعل وفاعله، ولو ابتدئ بالملائكة لعاد الضمير من ﴿ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ على غير عائد، فالكلام متصل بما قبله. أو يكون لمنع الفصل بين الفعل والمفعول به، كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 6]. فالرمز "لا" على ﴿ بِاللَّهِ ﴾ يُشِير إلى منع الفصل بين جملة ﴿ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ وعاملها، وهو ﴿ شَهَادَاتٍ ﴾، أو ﴿فَشَهَادَةُ﴾؛ لأنها مفعول لـ﴿ شَهَادَاتٍ ﴾، علق عنه باللام في الخبر. ومثله قوله - تعالى -: ﴿ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النور: 8]. ويكون كذلك لمنع الفصل بين المتسدرَك والمستدرَك عليه، ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾ [الأنفال: 42]. فالرمز "لا" على ﴿ الْمِيعَادِ ﴾ لمنع الفصل بين جملة ﴿ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾، وبين ما استدرك به عليه، وهو قوله: ﴿ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ﴾، فهو من تتمة الكلام. وهكذا يتضح أن علماء الوقف قد وَضَعُوا هذا الرمز لتأكيدِ اتصال الكلام بعضه ببعض، وخاصة في المواضع التي يُتوهَّم أن الكلام قد تم عندها، أو يسوغ الوقف فيها؛ لطول التركيب أو لضيق النَّفَس ونحو ذلك. ثالثًا: الوقف الجائز ورمزه "ج": وهو علامة للوقف الجائز جوازًا مستوي الطرفين، ويلاحظ أن موضع الوقف عند هذا الرمز يكون محتملاً للوقف والوصل على السواء؛ وذلك لأن التعلُّق النحوي فيه يكون متوسطًا من جهة اللفظ والمعنى بما بعده، فليس هذا بالتعلق القوي لفظًا بحيث يكون الوصل أولى، فإن هذا هو محل الوقف الجائز مع كون الوصل أولى، والذي يُرمَز له بالرمز "صلى"، ولا هو بالتعلق الضعيف، بحيث يكون الوقف أولى، وهو الذي يرمز له بالرمز "قلى". وحين نتتبَّع مواضع هذا الرمز، نجد أن الجُمَل التي تأتي بعده تكون مستقلَّة عمَّا قبلها استقلالاً نَحْويًّا لفظًا ومعنى، ولكن بينها وبين ما قبلها تعلُّق من جهة المعنى العام، كما نرى في الآيات الآتية: قوله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ ﴾ [البقرة: 115]. ففي هذه الآية نجد أن جملة ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾ تامة نحويًّا، والجملة التي بعدها مستقلة عنها، والفاء استئنافية فيها، لكنها من جهة المعنى العام مرتبطة بها؛ لأنه إذا كان لله المشرق والمغرب فيستوي حينئذٍ أن يتوجَّه الإنسان إلى أي جهة منهما؛ وكذلك قوله - تعالى -: ﴿ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾، جملة اسمية مكتملة نَحْويًّا بمبتدئها وخبرها، والجملة التي بعدها مستقلة عنها نحوًا ودلالة، لكنها تأتي بمثابة التوضيح لِمَا قبلها، أو إضافة معنى جديد يتعلق بالمضمون العام لسياق الآيات. وفي قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام: 159]. نجد أن جملة ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ﴾ جملة ابتدائية، ولذلك بُدِئت بـ﴿ إِنَّ ﴾ المكسورة الهمزة، والجملة التي قبلها مستقلة عنها نحوًا، لكنهما متصلتان من جهة المعنى العام. وكذلك قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍۚ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىۚ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [الأنعام: 164]. فالوقفات هنا عند جُمَل تامة نحوًا ودلالة، ولكنها مرتبطة بما بعدها من حيث المعنى العام، وقد تبدأ بعد هذا الرمز (ج) "بواو، وفاء، وثم"، ولكنها من قبيل عطف الجمل أو الاستئناف. وكذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف: 18]. فالواو في ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ﴾ تحتمل أن تكون استئنافية، وأن تكون عاطفة. وكذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [الكهف: 23، 24]. فالواو في ﴿ وَاذْكُرْ ﴾ تحتمل العطف والاستئناف، فالعطف يقتضي الوصل، والاستئناف يقتضي القطع. وكذلك قوله - تعالى -: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًاۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ﴾ [الكهف: 33]. فالواو في ﴿ وَفَجَّرْنَا ﴾ محتملة للعطف والاستئناف. ومن ذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِۚ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ ﴾ [البقرة: 49]. وذلك أن جملة ﴿ يُذَبِّحُونَ ﴾، يحتملُ فيها أن تكون في محلِّ نصب حال من فاعل ﴿ يَسُومُونَكُمْ ﴾، وأن تكون استئنافية لا موضعَ لها من الإعراب، وقعت جوابًا عن سؤال نشأ من جملة ﴿ يَسُومُونَكُمْ ﴾، ولا مرجِّح لأحد هذين الوجهين على الآخر، بل هما سواء. ومن أمثلته أيضًا الوقف على كلمة ﴿ حَسِيسَهَا ﴾ من قوله - تعالى -: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَاۚ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 102]؛ لأن جملة ﴿ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾، يحتمل أن تكون في محلِّ نصب على الحال من فاعل ﴿ يَسْمَعُونَ ﴾، وأن تكون استئنافية لا موضعَ لها من الإعراب. وكذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280]. ويلاحظ أن الانقطاعَ بين الجُمَل في الوقف الجائز يكون على درجة أقلَّ من الوقوف السابقة؛ كالوقف اللازم والكافي، ويكون الاتصال فيه أقوى من غيره من الوقوف. وقد تكون الصلة بين ما بعده وما قبله صلةَ خبرٍ بمخبر عنه، أو حالٍ بصاحبها، أو معطوفٍ بمعطوف عليه، أو جوابًا لقسمٍ أو سؤال، أو بقية كلام أو قصة. فمثال ما يكون خبرًا قوله - تعالى -: ﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ [الكهف: 26]. فجملة ﴿ لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، خبر للفظ الجلالة ثانٍ في محل رفع. وكذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ﴾ [الكهف: 58]. فجملة ﴿ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ﴾ خبر ثالث لـ ﴿ رَبُّكَ ﴾. ولكن ينبغي التنبيه إلى أن جملة الخبر في مثل هذا الوقف لا تكون خبرًا أول؛ لأن الخبر الأول يكون شديد الاتصال بالمخبر عنه، فلا يحسنُ الوقف قبله. ومثال الحال قوله - تعالى -: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ﴾ [الكهف: 18]. فجملة ﴿ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ... ﴾ حال من الضمير في ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ﴾؛ ولذلك حسن الوصل، كما يمكن أن تكون جملة مستأنفة، فيجوز الوقف. ومثال الجملة المعطوفة على ما قبلها قوله - تعالى -: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ [الكهف: 28]. هنا نجد أن الوقف موجود عند موضع العطف، والعطف يقتضي المشاركة. ومنه أيضًا قوله - تعالى -: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]. فالوقف الحسن هنا كائن قبل حرفِ العطف؛ لاكتمالِ أركان الجملة نَحْويًّا، غير أن الواو بعدَها عاطفة، والجملة بعدها معطوفة على ما قبلها، ومن ثَمَّ حسن الوصل كذلك. ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ﴾ [الكهف: 56]. فجملة ﴿ وَاتَّخَذُوا ﴾ معطوفة على ما قبلها، ومتَّفقة معها في الخبرية. ومثال جواب القسم قوله - تعالى -: ﴿ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف: 14]. فجملة ﴿ لَقَدْ قُلْنَا... ﴾ هو جواب قسم محذوف، والتقدير: "والله لقد قلنا إذًا شططًا"، وهي متصلة في المعنى بما قبلها؛ لأنها بمثابة الردِّ على ما يُفهَم من سياق الكلام السابق، كأنهم قالوا: لن ندعو من دونه إلهًا، لقد قلنا إذًا شططًا، فلأجل هذه الصلة كان الوقف على ﴿ إِلَهًا ﴾ حسنًا، وكان الوصل بما بعده أولى. ومثال جواب السؤال قوله - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 83]، فلأجل الصلة بين السؤال والجواب، كان الوصل أولى. ومثال كون ما بعد هذا الوقف من بقية كلام سابق أو بقية قصة سابقة: قوله - تعالى -: ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ [الكهف: 22]. فجملة ﴿ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ ﴾ هي من تتمة كلامهم. وكذلك قوله - تعالى -: ﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ﴾ [الكهف: 98]. فجملة ﴿ فَإِذَا جَاءَ... ﴾ هي من تتمَّة كلام ذي القَرْنين؛ ولذلك كان الوصل أَولَى، فنجدُ أن هذا النوع من الوقف يأتي بين الجُمَل التي لها صلة بما قبلها، في الوقت الذي يكون ما قبلها مكتفيًا بنفسه من حيث المعنى. والحاصل أن هذا الوقف يأتي في المواضع التي يكون ما قبلها متعلقًا بما بعدها لفظيًّا ومعنويًّا، إلا أن التعلق اللفظي ليس بين الأركان النحوية الأساسية؛ وإنما بين الجُمَل ومكمِّلاتها، أو التوابع ومتبوعاتها، أو الجُمَل التي تحتاج إلى توضيح، أو تفسير، أو تعليل، وأكثرُ ما يكون ذلك في أثناء الآيات، وخاصة المدنية منها. الألوكة/ الوعي اللغوي
hgluhkd hgkp,dm ,hg]ghghj gughlhj hg,rt td hglwpt hgavdt
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
10-06-13, 03:24 AM | المشاركة رقم: 2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
تألق
المنتدى :
بيت الـلـغـة العــربـيـة
جزاكِ الله خيرا ونفع بماقدمتِ |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
10-06-13, 04:28 PM | المشاركة رقم: 3 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
تألق
المنتدى :
بيت الـلـغـة العــربـيـة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|