بسم الله الرحمن الرحيم
كفى بالمرء إثما و حسرة حين يضيع فرصة حياة أمه من دون بر لها و احسان إليها ، و خاصة على الكبر من عمرها .
فيا من تقرأ خطي تذكر أن حياة أمك محدودة بحد لا تدري متى تنتهي، فهل اغتنمت فرصة حياتها في البر والإحسان إليها، فانظر إلى قول محمد فيمن هو أحق الناس في البر إليه في هذه الدنيا، فقد قال " أحق الناس أمك ثم أمك ثم أمك" [رواه البخاري]
وقال صلى الله عليه و سلم " رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما ولم يدخل بهما الجنة"
بل انظر إلى الحادثة التي حدثت في حياة محمد ، ولتعض أصبع الندم إن كنت من المفرطين " أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهو يريد الجهاد مع نبينا محمد ، فيا لها من فرصة ولكنه صنع ذلك من دون موافقة من والديه فاستفتى النبي في ذلك، فقال له من لا ينطق عن الهوى : ارجع واذهب إليهما، بل لم يكتف النبي بذلك وقال : وأضحكهما كما أبكيتهما .
إن هذا الصحابي خرج وهو يريد الخير لنفسه ولأهله فالشهيد في الإسلام له حق الشفاعة لأهله ، ولكن كان رضي الوالدين أعظم .
فيا من فرط في حق أمه أين أنت من هذه النصوص ؟ فإن قلت عنها انها أخطأت، انها اعتدت، انها افرطت، انها باعدت، فاعلم أنك انت المخطئ شرعا و ما كان هذا إلا من شرور نفسك و من الشيطان، فانظر إلى قول الله تعالى " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما و صاحبهما في الدنيا معروفا " أفبعد هذه الآية من بيان ؟ فانظر إلى قول الله " فإن جاهداك على أن تشرك " اي أمراك على أن تكفر بربك و نبيك فلا تطعهما، ولكن اشترط ربك عليك أن تصاحبهما بالمعروف وتحسن الصحبة وإن كانا عدوين لله ورسوله، فهل الأمر والخطب أعظم من ذلك ؟ تذكر قول الله تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا".
فقد حرم عليك أن تقول "أف" فاتق الله في نفسك، و من وسائل البر للأم مدوامة المواصلة والاتصال بها وقضاء حوائجها والسماع لكلامها و إن كان كلامها لا يوافق طبيعتك ومزاجك ولكن كن لها أذنا صاغية فإنها تسعد بذلك، وأعنها على أداء الخير والتذكير بالله من دون أن يكون ذلك مملا وخارجا عن حدود هدي المصطفى فقد قال ابن مسعود عن رسولنا الكريم أنه يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم، وعليك باكثار الهدايا لأمك فإن الهدية تطيب النفس وتسعد القلب وهذا ما أخذناه من فم المصطفى بقوله " تهادوا تحابوا " أما إن كان أهلك على خلاف مع أمك فاعلم أن الظلم على أهلك محرم، وعليك أن تسدد وتقارب بقدر الوسع والطاقة، ولكن الحد الذي لا يحق لك أن تخرج عنه وهو أن تغلظ القول على امك وان تعلي صوتك وتظلمها، والظلم صوره متعددة، فعليك بالعدل مع أهلك من دون الظلم مع أمك، وإن تعدت الأم فليس لك الحق بالإعتداء عليها من قبلك فإنه من عمل الشيطان وأزّه.
فاغتنم حياتها ، و أدخلها في دار السعادة بالإحسان و طيب المعشر ، و أعنها على قضاء حوائجها ، و تكلف بل و اصطنع البر اصطناعا ، و إن لم يكن من طباعك الصبر فاصطبر لبرها .
فلك من هذه القصة شاهد على هدي الصالحين في التكلف على بر الوالدين و اقصد قصة احد افراد اهل "الغار" و الذي أتى باللبن و كان أبواه نائمين فوقف عند رأسهما ينتظر حتى استيقظا و قد كان عياله في حاجة للشرب و لكنه امسك حتى استيقظ ابواه فرويا حتى رضيا و من ثم اعطى ما بقي لأبنائه و أسرته ، فكان في هذا الفعل رضى الله جل وعلا وقربة له سبحانه، فيا له من بر، ويا له من عمل ....
بقلم الشيخ الفاضل / محمد عثمان العنجري
حفظه الله و سدد على الحق خطاه ،،
( مقالة في جريدة القبس )
(9 ربيع الأول 1419 / 3-7-1998)