(28)
المقصود هنا أن الله تعالى شرع العدل والبيان ولهذا من أوصاف أهل العلم أنهم قائمون بالعدل والبيان
فلايغلب مقام البيان على مقام ترك العدل بل هما متلازمان
بل من نقص أو ترك مقام العدل فقد نقص عند التحقيق مقام البيان ولابد ولايتصور تحقيق البيان إلا بتحقيق العدل .
وأما من أراد أن يعلو بالبيان حتى يحذر من البدع والضلالات فهذا يخالف الشريعة من وجه إذا غلا في حكمه في المقالات أو على الآيات
لإن الغلو في القول في الدين كله لا يصح .
وبالمقابل من نقص مقاماً في البيان فخفف فيما حرمته الشريعة أو نهت عنه أو خفف في محدثات تنافي سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
فإن هذه الطرق تنافي سنن الأنبياء كلهم .
ولهذا لما دخلت مادة منها على بين إسرائيل قال سبحانه وتعالى ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم )
ورد النبي
على عثمان بن مظعون التبتل
ولم تكن شريعة النبي
ولاشرائع الأنبياء من قبله انقطاع في وجه واحد من العبادة أو في بعض الأوجه من العبادة
عن بقية العبادات التي شرعها الله تعالى .
المقصود أن التصوف في انتسابه وفي حروفه وفي كلماته وفي معانيه هو جملة مشارب وأوجه متعددة منه الغالي ومنه المتوسط ومنه المقتصد .
وإذا قيل المقتصد قيل حتى المقتصد ليس هو مما يندب إليه ويؤمر به
وإنما يندب ويؤمر بماشرع الله من الأسماء الشرعية والحقائق الشرعية .
وما يحققونه في بعض المقامات فهو في حقيقته من مادة الشريعة وإن سماه من سماه تصوفاً .
فما يصيبون به من الحق وتحقيق معاني المحبة لله أو بيان الخوف من الله أو بيان رجاء الله مما قاله مقتصدة المتصوفة فإن قال : هذا من علم الشريعة ومايكون من الصواب في ذلك والتحقيق في ذلك .
قيل : هذا هو في حقيقته من علم الشريعة وليس من مادة التصوف ولهذا لا يختص به الصوفية عن غيرهم ممن لم ينتسب للتصوف .
وأما أذا كان ما يقصد هنا ما يختص به أهل طائفة فلايوجد طائفة تختص بدليل عقلي أو دليل شرعي أو حكمة شرعية أو حكمة عقلية
إلا وتكون هذه الحكمة إذا وافقت وجهاً صحيحاً إلا ويكون أصلها في كتاب الله وسنة رسوله
.
وإذا كانت من مادة الأحكام العقلية ظهر بأن الكتاب والسنة فيما يتعلق بالأحكام العقلية المستعملة في أدلة التشريع أو مسائله ذكرا ما يدل على ذلك ما هو أبلغ وأعظم
كالبراهين والأمثلة المضروبة في كتاب الله التي خاطبت العقول في بيان ربوبية الله سبحانه وتعالى وتحقيق توحيده والإيمان بشرعه وقدره .